شعر : أحمد مطر

– شعر : أحمد مطر

أنا إرهابي ..!
الغربُ يبكي خيفـةً 
إذا صَنعتُ لُعبـةً 
مِـن عُلبـةِ الثُقابِ . 
وَهْـوَ الّذي يصنـعُ لي 
مِـن جَسَـدي مِشنَقَـةً 
حِبالُها أعصابـي ! 
والغَـربُ يرتاعُ إذا 
إذعتُ ، يومـاً ، أَنّـهُ 
مَـزّقَ لي جلبابـي . 
وهـوَ الّذي يهيبُ بي 
أنْ أستَحي مِنْ أدبـي وأنْ أُذيـعَ فرحـتي 
ومُنتهى إعجابـي .. 
إنْ مارسَ اغتصـابي ! 
والغربُ يلتـاعُ إذا 
عَبـدتُ ربّـاً واحِـداً 
في هـدأةِ المِحـرابِ . 
وَهْـوَ الذي يعجِـنُ لي 
مِـنْ شَعَـراتِ ذيلِـهِ 
ومِـنْ تُرابِ نَعلِـهِ 
ألفـاً مِـنَ الأربابِ 
ينصُبُهـمْ فـوقَ ذُرا 
مَزابِـلِ الألقابِ 
لِكي أكـونَ عَبـدَهُـمْ 
وَكَـيْ أؤدّي عِنـدَهُـمْ 
شعائرَ الذُبابِ ! 
وَهْـوَ .. وَهُـمْ 
سيَضرِبونني إذا 
أعلنتُ عن إضـرابي . 
وإنْ ذَكَـرتُ عِنـدَهُـمْ 
رائِحـةَ الأزهـارِ والأعشـابِ 
سيصلبونني علـى 
لائحـةِ الإرهـابِ ! 
** 
رائعـةٌ كُلُّ فعـالِ الغربِ والأذنابِ 
أمّـا أنا، فإنّني 
مادامَ للحُريّـةِ انتسابي 
فكُلُّ ما أفعَلُـهُ 
نـوعٌ مِـنَ الإرهـابِ ! 
** 
هُـمْ خَرّبـوا لي عالَمـي 
فليحصـدوا ما زَرَعـوا 
إنْ أثمَـرَتْ فـوقَ فَمـي 
وفي كُريّـاتِ دمـي 
عَـولَمـةُ الخَـرابِ 
هـا أنَـذا أقولُهـا . 
أكتُبُهـا .. أرسُمُهـا .. 
أَطبعُهـا على جبينِ الغـرْبِ 
بالقُبقـابِ : 
نَعَـمْ .. أنا إرهابـي ! 
زلزَلـةُ الأرضِ لهـا أسبابُها 
إنْ تُدرِكوهـا تُدرِكـوا أسبابي . 
لـنْ أحمِـلَ الأقـلامَ 
بلْ مخالِبـي ! 
لَنْ أشحَـذَ الأفكـارَ 
بـلْ أنيابـي ! 
وَلـنْ أعـودَ طيّباً 
حـتّى أرى 
شـريعـةَ الغابِ بِكُلِّ أهلِها 
عائـدةً للغابِ . 
** 
نَعَـمْ .. أنا إرهابـي . 
أنصَـحُ كُلّ مُخْبـرٍ 
ينبـحُ، بعـدَ اليـومِ، في أعقابـي 
أن يرتـدي دَبّـابـةً 
لأنّني .. سـوفَ أدقُّ رأسَـهُ 
إنْ دَقَّ ، يومـاً، بابـي !

البكاء الأبيض – شعر : أحمد مطر

كنت طفلا 
عندما كان أبي يعمل جنديا 
بجيش العاطلين! 
لم يكن عندي خدين. 
قيل لي 
إن ابن عمي في عداد الميتين 
وأخي الأكبر في منفاه، والثاني سجين. 
لكنِ الدمعة في عين أبي 
سر دفين. 
كان رغم الخفض مرفوع الجبين. 
غير أني، فجأة،

شاهدته يبكي بكاء الثاكلين! 
قلت: ماذا يا أبي؟! 
رد بصوت لا يبين: 
ولدي.. مات أمير المؤمنين. 
نازعتني حيرتي 
قلت لنفسي: 
يا ترى هل موته ليس كموت الآخرين؟! 
كيف يبكيه أبي، الآن، 
ولم يبكِ الضحايا الأقربين؟! 
** 
ها أنا ذا من بعد أعوام طوال 
أشتهي لو أنني 
كنت أبي منذ سنين. 
كنت طفلاً.. 
لم أكن أفهم ما معنى 
بكاء الفرِحِين!

أنا مِـن تُرابٍ ومـاءْ 
خُـذوا حِـذْرَكُمْ أيُّها السّابلةْ 
خُطاكُـم على جُثّتي نازلـهْ 
وصَمـتي سَخــاءْ 
لأنَّ التُّرابَ صميمُ البقـاءْ 
وأنَّ الخُطى زائلـةْ. 
ولَكنْ إذا ما حَبَستُمْ بِصَـدري الهَـواءْ 
سَـلوا الأرضَ عنْ مبدأ الزّلزلةْ ! 
** 
سَلـوا عنْ جنونـي ضَميرَ الشّتاءْ 
أنَا الغَيمَـةُ المُثقَلةْ إذا أجْهَشَتْ بالبُكاءْ 
فإنَّ الصّواعقَ في دَمعِها مُرسَلَهْ! 
** 
أجلً إنّني أنحني 
فاشهدوا ذ لّتي الباسِلَةْ 
فلا تنحني الشَّمسُ 
إلاّ لتبلُغَ قلبَ السماءْ 
ولا تنحني السُنبلَةْ 
إذا لمْ تَكُن مثقَلَهْ 
ولكنّها سـاعَةَ ا لانحنـاءْ 
تُواري بُذورَ البَقاءْ 
فَتُخفي بِرحْـمِ الثّرى 
ثورةً .. مُقْبِلَـهْ! 
** 
أجَلْ.. إنّني أنحني 
تحتَ سَيفِ العَناءْ 
ولكِنَّ صَمْتي هوَ الجَلْجَلـةْ 
وَذُلُّ انحنائـي هوَ الكِبرياءْ 
لأني أُبالِغُ في الانحنـاءْ 
لِكَي أزرَعَ القُنبُلَـةْ!
يا قدس يا سيدتي معذرة فليس لي يدان ، 
وليس لي أسلحة وليس لي ميدان ، 
كل الذي أملكه لسان ، 
والنطق يا سيدتي أسعاره باهظة ، والموت بالمجان ، 
سيدتي أحرجتني، فالعمر سعر كلمة واحدة وليس لي عمران ، 
أقول نصف كلمة ، ولعنة الله على وسوسة الشيطان ، 
جاءت إليك لجنة، تبيض لجنتين ، 
تفقسان بعد جولتين عن ثمان ، 
وبالرفاء و ا لبنين تكثر اللجان ، 
ويسحق الصبر على أعصابه ، 
ويرتدي قميصه عثمان ، سيدتي ، حي على اللجان ، 
حي على اللجان !
تهتُ عنْ بيتِ صديقي 
فسألتُ العابرين  
قيلَ لي امشِ يَساراً 
سترى خلفكَ بعضَ المخبرينْ 
حِدْ لدى أولهمْ 
سوفَ تُلاقي مُخبراً 
يَعملُ في نصبِ كمينْ 
اتَّجِهْ للمخبرِ البادي أمامَ المخبرِ الكامنِ 
واحسبْ سبعة ، ثم توقفْ 
تجدِ البيتَ وراءَ المخبرِ الثامنِ 
في أقصى اليمينْ حفِظَ اللهُ أميرَ المخبرينْ 
فلقدْ أتخمَ بالأمنِ بلادَ المسلمينْ 
أيها النّاسُ اطمئنوا 
هذه أبوابكمْ محروسة في كلِّ حينْ 
فادخلوها بسلامٍ آمنينْ .

من أشعار أمل دنقل

من أشعار أمل دنقل

لا تصالح – شعر : أمل دنقل

(1 )
لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما – فجأةً – بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ – مبتسمين – لتأنيب أمكما.. وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك “اليمامة”
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!
(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف
(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
“.. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام..”
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!
(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن “الجليلة”
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!
(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: “انتبه”!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
(8)
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا – بهجةُ الأهل – صوتُ الحصان – التعرفُ بالضيف – همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي – الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ – مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
(9)
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ!
(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ

صفحات من كتاب الصيف والشتاء – شعر : أمل دنقل

1 – حمامة
حين سَرَتْ في الشارعِ الضَّوضاءْ
واندفَعَتْ سيارةٌ مَجنونةُ السَّائقْ
تطلقُ صوتَ بُوقِها الزاعقْ
في كبدِ الأَشياءْ:
تَفَزَّعَتْ حمامةٌ بيضاءْ
(كانت على تمثالِ نهضةِ مصرْ..
تَحْلُمُ في استِرخاءْ)
طارتْ, وحطَّتْ فوقَ قُبَّةِ الجامعةِ النُّحاسْ
لاهثةً, تلتقط الأَنفاسْ
وفجأةً: دندنتِ الساعه ودقتِ الأجراسْ
فحلَّقتْ في الأُفْقِ.. مُرتاعهْ!
أيتُها الحمامةُ التي استقرَّتْ
فوقَ رأسِ الجسرْ
(وعندما أدارَ شُرطيُّ المرورِ يَدَهُ..
ظنتُه ناطوراً.. يصدُّ الطَّيرْ
فامتَلأتْ رعباً!)
أيتها الحمامةُ التَّعبى:
دُوري على قِبابِ هذه المدينةِ الحزينهْ
وأنشِدي للموتِ فيها.. والأسى.. والذُّعرْ
حتى نرى عندَ قُدومِ الفجرْ
جناحَكِ المُلقى..
على قاعدةِ التّمثالِ في المدينهْ
.. وتعرفين راحةَ السَّكينهْ!
العينان الخضراوان
مروّحتان
في أروقة الصيف الحرّان
أغنيتان مسافرتان
أبحرتا من نايات الرعيان
بعبير حنان
بعزاء من آلهة النور إلى مدن الأحزان
سنتان
و أنا أبني زورق حبّ
يمتد عليه من الشوق شراعان
كي أبحر في العينين الصافيتين إلى جزر المرجان
ما أحلى أن يضطرب الموج فينسدل الجفنان
و أنا أبحث عن مجداف
عن إيمان !
***
في صمت ” الكاتدرائيات ” الوسنان
صور ” للعذراء ” المسبّلة الأجفان
يا من أرضعت الحبّ صلاة الغفران
و تمطي في عينيك المسبّلتين
شباب الحرمان
ردّي جفنيك
لأبصر في عينيك الألوان
أهما خضراوان
كعيون حبيبي ؟
كعيون يبحر فيها البحر بلا شطآن
يسأل عن الحبّ
عن ذكرى
عن نسيان !
و العينان الخضراوان
مروّحتان !
هذا الذي يجادلون فيه
قولي لهم عن أمّه ، و من أبوه
أنا و أنت .
حين أنجبناه ألقيناه فوق قمم الجبال كي يموت !
لكنّه ما مات
عاد إلينا عنفوان ذكريات
لم نجتريء أن نرفع العيون نحوه
لم نجتريء أن نرفع العيون
نحو عارنا المميت
***
ها طفلنا أمامنا غريب ترشفه العيون و الظنون بازدرائها
و نحن لا نجيب
( و ربّما
لو لم يكن من دمنا
كنّا مددنا نحوه اليدا
كنّا تبنّيناه راحمين نبله المهين )
لكنّه .. ما زال يقطع الدروب
يقطع الدروب
و في عيوننا الأسى المريب
***
” أوديب ” عاد باحثا عن اللذين ألقيناه للردى
نحن اللّذان ألقياه للردى
و هذه المرّه لن نضيعه
و لن نتركه يتوه
ناديه
قولي إنّك أمّه التي ضنت عليه بالدفء
و بالبسمة و الحليب
قولي له أنّي أبوه
( هل يقتلني ؟ ) أنا أبوه
ما عاد عارا نتّقيه
العار : أن نموت دون ضمّه
من طفلنا الحبيب
من طفلنا ” أوديب “

شعر أحمد مطر و لوحات الروسي Stanislav

الإصلاح من الدّاخل! – أحمد مطر

أَسْدَلَ الليلَ وأغْفى
وَدَعاني أن أُصحّيهِ
إذا الصُّبْحُ صَحا.
عِندما أيقظتُُهُ
قامَ بإطفاءِ الضُّحَى!
**
هُوَ كي يَغدو قَويّاً
يَدفَعُ التَّبريحَ عَنّي
إن زماني بَرَّحا..
أَكلَ القَمحَ
وألقى فَوقَ أكتافي الرَّحَى.
شَرِبَ الماءَ
وألقى في يَدَيَّ القَدَحا.
ثُمّ لمَّا جِئتُهُ مُستنجداً
مِن زَمَني
لَمْ ألقَ إلاّ شَبَحا!
**
قُلتُ: أصلِحْ.
إنّ أوزارَك طالَتْ
ومَحُيَّاكَ، مِنَ الظلّم، امّحى.
رَفَعَ الثّوبَ إلى بُلْعومهِ..
ثُمَّ التَحى!
**
يَومَ ميلادي.. عَوَى
في يَوم عُرسي.. نَبَحا.
يَومَ مَوتي
قَرَّر التّكفيرَ عمَّا قد بَدا مِنْهُ
فغَنّى فَرَحا!
**
لمْ يَدَعْ مِن بَسْمةٍ
تَسلو عَن الدَّمعِ
وَلا مِن ثَغرةٍ
تَخلو مِن الشّمْعِ
وَلا مِن نأمَة
تَعلو على القَمْعِ
ولَمْ يترُكْ سَواداً فاتِحا!
أَفسَد الدُّنيا على أكملِ وَجْهٍ
آهِ..
كَم كانَ فَساداً صالِحا!

اعترافات كذّاب !! – شعر : أحمد مطر

بِملءِ رغبتي أنا
ودونَمـا إرهابْ
أعترِفُ الآنَ لكم بأنّني كذَّابْ!
وقَفتُ طول الأشهُرِ المُنصَرِمـةْ
أخْدَعُكُمْ بالجُمَلِ المُنمنَمـةْ
وأَدّعي أنّي على صَـوابْ
وها أنا أبرأُ من ضلالتي
قولوا معي: إ غْفـرْ وَتُبْ
يا ربُّ يا توّابْ.
**
قُلتُ لكُم: إنَّ فَمْي في أحرُفي مُذابْ
لأنَّ كُلَّ كِلْمَةٍ مدفوعَـةُ الحسابْ
لدى الجِهاتِ الحاكِمـةْ.
أستَغْفرُ اللهَ .. فما أكذَبني!
فكُلُّ ما في الأمرِ أنَّ الأنظِمـةْ
بما أقولُ مغْرَمـهْ
وأنّها قدْ قبّلتني في فَمي
فقَطَّعتْ لي شَفَتي
مِن شِدةِ الإعجابْ!
**
أوْهَمْتُكـمْ بأنَّ بعضَ الأنظِمـةْ
غربيّـةٌ.. لكنّها مُترجَمـهْ
وأنّها لأَتفَهِ الأسبابْ
تأتي على دَبّابَةٍ مُطَهّمَـةْ
فَتنْـشرُ الخَرابْ
وتجعَلُ الأنـامَ كالدّوابْ
وتضرِبُ الحِصارَ حولَ الكَلِمـةْ.
أستَغفرُ اللهَ .. فما أكذَبني!
فَكُلُّها أنظِمَـةٌ شرْعيّةٌ
جـاءَ بهـا انتِخَابْ
وكُلُّها مؤمِنَـةٌ تَحكُمُ بالكتابْ
وكُلُّها تستنكِرُ الإرهـابْ
وكُلّها تحترِمُ الرّأيَ
وليستْ ظالمَهْ
وكُلّهـا
معَ الشعوبِ دائمـاً مُنسَجِمـةْ!
**
قُلتُ لكُمْ: إنَّ الشّعوبَ المُسلِمةْ
رغمَ غِنـاها .. مُعْدمَـهْ
وإنّها بصـوتِها مُكمّـمَهْ
وإنّهـا تسْجُـدُ للأنصـابْ
وإنَّ مَنْ يسرِقُها يملِكُ مبنى المَحكَمةْ
ويملِكُ القُضـاةَ والحُجّـابْ.
أستغفرُ اللّهَ .. فما أكذَبَني!
فهاهيَ الأحزابْ
تبكي لدى أصنامها المُحَطّمـةْ
وهاهوَ الكرّار يَدحوْ البابْ
على يَهودِ ا لد ّونِمَـهْ
وهاهوَ الصِّدّيقُُ يمشي زاهِـداً
مُقصّـرَ الثيابْ
وهاهوَ الدِّينُ ِلفَرْطِ يُسْـرِهِ
قَـدْ احتـوى مُسيلَمـهْ
فعـادَ بالفتحِ .. بلا مُقاوَمـهْ
مِن مكّـةَ المُكرّمَـةْ!
**
يا ناسُ لا تُصدّقـوا
فإنّني كذَابْ!

عباس – شعر : أحمد مطر

عباس وراء المتراس ،
يقظ منتبه حساس ،
منذ سنين الفتح يلمع سيفه ،
ويلمع شاربه أيضا، منتظرا محتضنا دبه ،
بلع السارق ضفة ،
قلب عباس القرطاس ،
ضرب الأخماس بأسداس ،
(بقيت ضفة)
لملم عباس ذخيرته والمتراس ،
ومضى يصقل سيفه ،
عبر اللص إليه، وحل ببيته ، (أصبح ضيفه)
قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه ،
صرخت زوجة عباس: ” أبناؤك قتلى، عباس ،
ضيفك راودني، عباس ،
قم أنقذني يا عباس” ،
عباس ــ اليقظ الحساس ــ منتبه لم يسمع شيئا ،
(زوجته تغتاب الناس)
صرخت زوجته : “عباس، الضيف سيسرق نعجتنا” ،
قلب عباس القرطاس ، ضرب الأخماس بأسداس ،
أرسل برقية تهديد ،
فلمن تصقل سيفك يا عباس” ؟”
( لوقت الشدة)
إذا ، اصقل سيفك يا عباس

من حسني مبارك .. إلى شعب مصر -بقلم : أحمد فؤاد نجم



.ياشعبي حبيبي ياروحي يابيبي ياحاطك في جيبي يابن الحلال

ياشعبي ياشاطر ياجابر خواطر ياساكن مقابر وصابر وعال

ياواكل سمومك يابايع هدومك ياحامل همومك وشايل جبال

ياشعبي اللي نايم وسارح وهايم وفي الفقر عايم وحاله ده حال

احبك محشش مفرفش مطنش ودايخ مدروخ واخر انسطال

احبك مكبر دماغك مخدر ممشي امورك كده باتكال

واحب اللي ينصب واحب اللي يكدب واحب اللي ينهب ويسرق تلال

واحب اللي شايف وعارف وخايف وبالع لسانه وكاتم ماقال

واحب اللي قافل عيونه المغفل واحب البهايم واحب البغال

واحب اللي راضي واحب اللي فاضي واحب اللي عايز يربي العيال

واحب اللي يائس واحب اللي بائس واحب اللي محبط وشايف محال

واحبك تسافر وتبعد تهاجر وتبعت فلوسك دولار او ريال

واحبك تطبل تهلل تهبل عشان مطش كوره وفيلم ومقال

واحبك تأيد تعضض تمجد توافق تنافق وتلحس نعال

تحضر نشادر تجمع كوادر تلمع تقمع تظبط مجال

لكن لو تفكر تخطط تقرر تشغلي مخك وتفتح جدال 

وتبدأ تشاكل وتعمل مشاكل وتنكش مسائل وتسأل سؤال 

وعايز تنور وعايز تطور وتعمللي روحك مفرد رجال 

ساعتها حجيبك لايمكن اسيبك وراح تبقى عبره وتصبح مثال 

حبهدل جنابك وأذل اللي جابك وحيكون عذابك ده فوق الاحتمال 

وامرمط سعادتك واهزأ سيادتك واخلي كرامتك في حالة هزال 

وتلبس قضيه وتصبح رزيه وباقي حياتك تعيش في انعزال

حتقبل ححبك حترفض حلبك حتطلع حتنزل حجيبلك جمااااال

كاريكاتير اهداء سماح فاروق




من أشعار نجيب سرور

كلمات في الحب ـ شعر : نجيب سرور

آمنت بالحب .. من فيه يبارينى

والحب كالأرض أهواها فتنفينى

إنى أصلى ومحراب الهوى وطنى

فليلحد الغير ماغير الهوى دينى

ماللهوى من مدى

فاصدح غراب البين

هذى غمود المدى ..

أين المداوى أين ؟!

ألوجد يلفحنى لكنه قدرى

يانار لا تخمدى باللفح زيدينى

أنا الظما إن شكا العشاق من ظمأ

شكوت وجدى إلى وجدى فيروينى

جاء الطبيب وقال :

«أنا العليل .. أنا»

يافرحة العذال

فمن أكون أنا؟

تخذت من وحدتى إلفا أحاوره

من لوعة القلب ترياقا يداوينى

رافقت حتى الفراق لأنه قدرى

فيا رفاقى رأيت البعد يدنينى !

بعدت كى اقترب

وقربت كى ابتعد

ياويحه المغترب

ما للهوى من بلد !

ياقلب بالله لا تسكت فإن مدى

من القرون غراماً ليس يكفينى

صفق وزغرد وقل هاتوا سهامكم

يا ليت كل سهام العشق ترمينى

ما نفع نبضك إن لم يستحل دمى

إن لم ترق يا دمى ماذا سيرقينى

مضى الشباب هباء

يا ليت كنا عشقنا

ها نحن أسرى الشقاء

فى العشق هلا أفقنا !!

هجرتكم وشبابى فى الدماء لظى

وجئتكم وحريق الشيب يطوينى

سلوا الليالى هل ضنت بنائبة

سلوا النوائب .. يادور الطواحين !

آمنت بالحب من فيه يبارينى

والحب كالأرض أهواها فتنفينى  

إحباطات شعرية ـ شعر : نجيب سرور

الإحباط الأول :

لأن العصر مثل النعش ..

لأنى جثة فى النعش ..

لأن الناس .. كل الناس ..

دمى من قش ..

لأن ..

لأن ..

(المعنى فى بطن الشاعر ،

والشاعر عدو خواء البطن ،

جوعان فى القرن العشرين ،

والإنسان الجائع كلب !

كم فى الجيب ؟!

ماذاكنت أقول ..

كنت أقول الشعر ..

أشعر أنى ميت ..

فإلى الفول بزيت ! .)

الإحباط الثانى :

بالأمس عدت فى الصباح ..

من رحلة الضياع فى المدينة ..

كان الصباح مثل وجه قرد ..

والشمس مثل إست قرد ..

وحين كنت أعبر الطريق ..

كادت تدوسنى سيارة !

كأنها تخالنى إنسان ..

ياغابة النعال ..

أليس ثم من مكان ..

فى الأرض لا يدوسه إنسان !

(ياقريتى ..

يا ..

قد شوهوها لم تعد تلك التى أحببتها ..

مدينتى كقريتى فى جوف أخطبوط !

علمتنى الغناء يا إخطاب ..

غنيت ، كم غنيت ..

وها أنا أغوص فى رمال الصمت ..

واختنق .

العش يحترق ..

ويهرب العصفور ..

يا أيها العصفور عد ..

يا أيها العصفور عد ..

يا أيها ..

لا فائدة !)

الإحباط الثالث :

ألليل أخطبوط !

مدينتى فى الليل تدعى الهدوء ..

لكننى أموء ..

كقطة جريحة فى البرد ..

مدينتى ابراج ..

والبرد كالكرباج ..

مشيت طول اليوم ..

كما مشيت كل يوم ..

فى الليل والنهار ..

بغير مأوى يامدينة السواح ..

ياجعبة الجراح !

هذا الهدوء مصطنع ..

ألوحش يستريح ..

لكى يقوم فى الصباح ..

يستأنف الهجوم !

الأخطبوط ..

– بطاقتك !

– تفضلوا !

– ما مهنتك !

– كثيرة هى المهن !

لكنه النصيب !

– ما حرفتك ؟

– قد ادركتنى حرفة الأدب !

أنا أقو الشعر !

– وتكتب الأشعار ؟

– وآسف أنا !

ألم أقل هو النصيب ؟!

– هو التشرد .. الشغب ..

هيا معى !

……………..

……………..

( ويثقب الصباح نافذة ..

هذا أنا فى الحبس !

الليل والنهار أخطبوط )!

الإحباط الرابع :

أفتش فيك عن إسمى ..

وانت مدينتى أمى ..

معلمتى .. وملهمتى ..

وقابلتى وقاتلتى ..

افتش فيك ..

اعلان :……………..

سينما :……………..

مسرح :……………..

اذاعة :……………..

تلفزيون :……………..

صحف :……………..

مجلات :……………..

كتب :…………….. !!

الإحباط الخامس :

حين ترون الموت الأسود ..

الطاعون .. بأى مدينة ..

لا يدخل باب مدينتكم للموت مغامر ..

لا يخرج من باب مدينتكم أى مهاجر ..

فالموت الأسود لا يجدى منه هرب ..

لا يعصم منه الطب ..

لا تجدى الحيلة حين يغوص النصل المسموم بقلب!

لا يجدى السيف المدفع ..

لا تجدى الحرب !

لا يجدى غير الصبر الإصرار الصمت ..

والمكر بكل صنوف المكر !

ليس يفل الشر ..

غير الشر ..

( الإحباط الخامس محبط ..

فليعبر من غير هوامش !! )

الإحباط السادس :

لاتنتظر ، أيها الربان إنى متعب ! لا .. تــ .. نــ .. تــ .. ظ .. ز .. نى

لا .. تنــ ..

( ناظم نام ..

تعب الآباء فناموا ..

ماذا فى وسع الأنباء !

لكن .. لكن .. أين أنام ؟! )

الإحباط السابع :

نفس الإحباط الأول ..

( ياللعصر اللولب ..

فلنبدأ من حيث بدأنا ..

.. .. .. .. .. ! )

أغنية عن طائر ـ شعر : نجيب سرور

إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن

ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو

هناك السحر والأحلام والألحان والفن

هناك الطير مثل مسيح

يغنى لحنه للريح

.. ذبيحا .. من قرار ذبيح !

صحا الطائر حيراناً يبث الليل أشجانا

ويجلو طلعة الصبح ليهدى الصبح ألحانا

فما كذب إيمانا ولا صدق برهانا

فهذا العالم الحيران ما ينفك حيرانا

وكم غنى هو الطائر

وقبلا كم ثوى طائر

أما للسرب من آخر ؟!

إلام نجئ ثم نروح لا جئنا ولارحنا

إلام نعيش ثم نموت لاعشنا ولا متنا

هو المنفى إذا كان البقاء قرين أن نفنى

يتامى نحن ياأطيار

دعوا الآهات للأشجار

فقد جزت بلا منشار!

علام نبتنى الأعشاش والحيات فى الأعشاش

إلام نسير كالعميان والممشى طريق كباش

وفيم الخلف كم منا قتيل مثل من عاش

هو الحتف الذى يصمى برغم الضوء جيش فراش

نسابق للخلاص النور

فنغدو فى لظى التنور

وها النافذة السور !

ملى طائرى فى الكون ثمة حار ما الجدوى

إذا كانت أغانينا تباعاً مثلنا تروى

وهذا الكون يطوينا فهل فى مرة يطوى

فما الجدوى .. فما الجدوى .. فما الجدوى ..

رويدا أيها الثائر

فليس القدر الساخر

ولكن دوما الشاعر !

إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن

ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو

هناك السحر والأحلام والألحان والفن 

حب وبحر وحارس ـ شعر : نجيب سرور

كانوا قالوا : ” إن الحب يطيل العمر ”

حقا .. حقا .. إن الحب يطيل العمر ! !

حين نحس كأن العالم باقة زهر

حين نشف كما لو كنا من بللور

حين نرق كبسمة فجر

حين نقول كلاما مثل الشعر

حين يدف القلب كما عصفور ..

يوشك يهجر قفص الصدر ..

كى ينطلق يعانق كل الناس !

كنا نجلس فوق الرملة

كانت فى أعيننا غنوة

لم يكتبها يوما شاعر ..

قالت :

– .. صف لى هذا البحر !

– يا قبرتى .. أنا لا أحسن فن الوصف

– واذن .. كيف تقول الشعر ؟ !

– لست أعد من الشعراء

أنا لا أرسم هذا العالم بل أحياه

أنا لا أنظم إلا حين أكاد أشل

ما لم أوجز نفسى فى الكلمات

هيا نوجز هذا البحر

– كيف .. أفى بيت من شعر ؟

– بل فى قبلة ! !

عبر الحارس .. ثم تمطى .. ” نحن هنا ” !

ومضى يلفحنا بالنظرات

” يا حارس .. أنا لا نسرق

يا حارس يا ليتك تعشق

يا ليت الحب يظل العالم كله

يا ليت حديث الناس يكون القبـلة

يا ليت تقام على القطبين مظلة

كى تحضن كل جراح الناس

كى يحيا الإنسان قرونا فى لحظات ”

ومشى الحارس .. قالت ” أوجز هذا البحر ” !

كان دعاء يورق فى الشفتين

– يبدو أن الحارس يملك هذا البحر

يكره منا أن نوجزه فى القبلا ت !

– فلنوجزه فى الكلمات ..

أترى هل يملك أن يمنع حتى الكلمة ؟ !

لهذي الجموع ـ شعر : نجيب سرور

فتاتى .. ما غيرتنى الســنون و لا غيرتك
احبـك مازلت .. لــكنني
صحوت على صرخــات الجمــوع
و خطــو الفنـــاء الى أمتي
رأيت الحيـاة تموت هنــاك
على مذبح اليــأس فى قريتي
تريـد النشــور !
أفـاتنتى .. ان مضى الســالكون
على أرضنا فى الصــباح القريب
يلمـون فى النـور آثارنـا
فمـاذا تراه يقول الدليــل


اذا ســألوه عن الحــالمين
عن اللاعبــين .. عن الشــاربين
عن الراقصــين .. عن الســامرين
عن النــائمين بليــل الدمـوع
على زفرات النفوس الموات
عن الهائمــين ببحـر الدمـاء
على زورق من جنـاح الخيــال
و قـد غلفـوا بالنبيــذ العيــون
و مرت عليهم جموع الجياع و مروا عليها ..
فــلم يلمحوا ذلـه البائســـين
ولم يســـمعوا أنـة اليائسـين
وراحوا يصــوغون فى حلمهم
عقـود الدخـــان
كمــا ينســـخ العنكبوب الخيوط
فمــاذا تراه يقول الدليـل ؟
أأســمع وقـع خطى الطاغيــه
يدب على حثث الســاقطين
و يطحــن بالنعــل كل الجبـاه
وأقعــد .. لا أســـتفز الحيـــاه
و أحــلم .. لا أســـتثير الجمــوع
لتضرب بالنعــل عن الطغــاة
لتحيـــا الحيـــاة ؟
أأســـمع حشرجــة الأشــقياء
يئنون من قســوة العاصفــه
و قد لفحتهم ريــاح الســموم
و أجلس كالطفل أحصى النجــوم ؟ !
أأســمع قهقهــة الطاغيـــة
يســـير بمركبــه آمنــا
فخــورا كنــوح
و قد أغرق القوم طوفا نــه
وأقعــد لا أخرق المركبــا ..
ولا أنفخ الروح فى الغــارقين ؟ !
أأحــلم و الليـــل من حوليــه
دعــاء يؤرق عين الســماء
ولكنهـــا لا تجيب الدعــاء
وهـــل أهب الكأس الحانيــه
ولا أهب الشـــعب لحن القيـــام ؟ !
أفاتنتى .. فى احمرار الورود على وجنتيك
رأيت الدمــاء
دمــاء المســـاكين فى قريتي
يعيشـــون كالدود فى مقبره
هم الدود و الميت يافتنتى !
أفاتنتى .. فى اختناق السواد على مقلتيك
رأيت الشـــقاء
يلف بأذرعــه الهــاصره
جســوم الملايين من أمتى !
أفاتنتى فى انسياب الحيــاة على شفتيك
رأيت الجفـــاف
رأيت سراب الحيــاة الشحيح
تصــوره لهفـة الظــامئين
وهذى النجوم عيون العبيد تطل علينا
و قد جحظت بالعـذاب المقـل
أفاتنتى و رأيت الرءوس ألوف الرءوس
معلقــة فى فــروع الشــجر
وقد شنقتها حبال الشتاء كشنق الثمر
وســوقا كبــيره
يبــاع بهــا عرق الكادحــين
بســعر التراب , ولحم البشر
أفاتنتى ورأيت الجموع
تســير بمصباحهــا المختنق
لتبحث عن لقمــة ضائعـة
ويــأتى المســاء ..
فتــأوى الى جحرهــا جائعـه
وفى كفهــا حسرة ضــارعه
وتطوى على جوعهــا يأســها
كمـا تنطوى فى الثرى قوقعـه
ويســدل ســتر الظــلام الكثيف
على مشــهد من صراع الحيــاه
ليبدأ فى الصبح فصــل جديد
فتمضى الجمــوع بمصباحهــا
” لتبحث عن لقمــة ضائعــه ”
فهـل أهب الكــاس ألحانيــه
وقد زرعوا أرضــنا بالعذاب ؟
فتاتى .. ما غيرتنى السنون ولا غيرتك
أحبــك ما زلت لكنني
وهبت النشــيد لهــذى الجموع !


من أشعار نجيب سرور2

الحذاء ـ شعر : نجيب سرور

أنـا ابن الشـــقاء
ربيب (الزريبــة و المصطبــة)
وفى قـريتى كلهم أشـــقياء
وفى قـريتى (عمدة) كالاله
يحيط بأعناقنــا كالقــدر
بأرزاقنـــا
بما تحتنــا من حقول حبــالي
يـلدن الحيــاة
وذاك المســاء
أتانـا الخفيـر و نـادى أبي
بأمر الالـه ! .. ولبى أبي
وأبهجانى أن يقــال الالـه
تنـازل حتى ليدعـو أبى !
تبعت خطــاه بخطو الأوز
فخورا أتيــه من الكبريــاء
أليس كليم الالــه أبي
كموسى .. وان لم يجئـه الخفــير
وان لم يكن مثــله بالنبي
وما الفرق ؟ .. لا فرق عند الصبى !
وبينــا أسير وألقى الصغار أقول ” اسمعو ا ..
أبى يا عيــال دعــاه الالــه ” !
وتنطـق أعينهم بالحســد
وقصر هنــالك فوق العيون ذهبنـا اليه
– يقولون .. فى مأتم شــيدوه
و من دم آبائنا والجدود وأشــلائهم
فموت يطــوف بـكل الرءوس
وذعر يخيم فــوق المقــل
وخيــل تدوس على الزاحفــين
وتزرع أرجلهــا فى الجثت
وجداتنــا فى ليـالى الشــتاء
تحدثننا عن ســنين عجــاف
عن اللآكلين لحـوم الكلاب
ولحم الحمير .. ولحم القطط
عن الوائـــدين هناك العيــال
من اليــأس .. و الكفر والمســغية
” ويوسف أين ؟ ” .. ومات الرجاء
وضــل الدعــاء طريق الســماء
و قــام هنــالك قصر الالــه
يــكاد ينــام على قـريتي
– ويــكتم كالطود أنفاســها
ذهبنــا اليــه
فلما وصــلنا .. أردت الدخول
فمد الخفــير يدا من حـديد
وألصقنى عند باب الرواق
وقفت أزف أبى بالنظــر
فألقـى الســـلام
ولم يأخذ الجالسـون الســلام ! !
رأيت .. أأنسى ؟
رأيت الاله يقوم فيخلع ذاك الحـذاء
وينهــال كالســيل فوق أبى ! !
أهـــذا .. أبى ؟
وكم كنت أختــال بين الصغــار
بأن أبى فــارع ” كالملك ” !
أيغدو ليعنى بهــذا القصر ؟ !
وكم كنت أخشــاه فى حبيـه
وأخشى اذا قـام أن أقعـدا
وأخشى اذا نـام أن أهمســا
وأمى تصب على قدميــه بابريقهــا
وتمســح رجليــه عند المســاء
وتلثم كفيــه من حبهــا
وتنفض نعليــه فى صمتهــا
وتخشى علــيه نســيم الربيــع !
أهـــذا .. أبى ؟
ونحن العيــال .. لنا عــادة ..
نقول اذا أعجزتنا الأمور ” أبى يستطيع ! ”
فيصعد للنخـلة العـاليـة
ويخـدش بالظفر وجــه السـما
ويغلب بالكف عزم الأســد
ويصنع ما شــاء من معجزات !
أهـــذا .. أبى
يســام كأن لم يكن بالرجــل
وعـدت أســير على أضــلعي
على أدمعى .. وأبث الجــدر
” لمـاذا .. لمـاذا ؟ ”
أهلت الســؤال على أميــه
وأمطرت فى حجرهــا دمعيــه
ولكنهــا اجهشــت باكـيه
” لمـاذا أبى ؟ ”
و كان أبى صــامتا فى ذهول
بعــلق عينيــه بالزاويـة
وجـدى الضــرير
قعيـد الحصــير
تحسسنى و تولى الجـواب :
” بنى .. كذا يفعل الأغنيــاء بكل القرى ” !
كــرهت الالــه ..
وأصبح كل اله لدى بغيض الصعر
تعلمت من بومهــا ثــورتي
ورحت أســير مع القـافلة
على دربهــا المدلهم الطــويل
لنلفـى الصــباح
لنلقـى الصــباح !

الشعر والعالم ـ شعر : نجيب سرور

سكتت حتى مسحت دمعا
كان ينام على التفاح
سألت فى صوت الكروان :
– ماذا تلهمك الدقات ؟
قلت وفى عينى طموح للأقمار :
– العالم فوق الشعراء
فليعل الشعر إلى العالم
أو فلنصمت !

أغنية للدقات ـ شعر : نجيب سرور

قالت وهى تغنى للدقات :
الدقة الأولى
” الساعة يولد انسان ”
الثانية
” ويموت الساعة انسان ”
الثالثة
” والعالم ليس بملآن ”
الرابعة
” بل ليس القبر بملآن ”
الخامسة
” مازال سؤالك يا هملت ”
السادسة
” أضحوكة ذاك الحفار ”
السابعة
” أوغلنا .. جبنا الأفلاك ”
الثامنة
” خضناها مثلك يا رع ”
التاسعة
” وصنعنا للرحلة قارب ”
العاشرة
” لنجب شراعك يا رع ”
الحادية عشر
” أيظل الإنسان يموت ”
الثانية عشر
” حتى فى عصر الأقمار ” ؟ !!

سر الكلمة ـ شعر : نجيب سرور

قبرتى .. لا يعلو شىء فوق الكلمة
كانت مذ كان الإنسان
كانت أول .. كانت أعظم ثورة !
كانت تعلو منذ البدء على الأسوار
تسخر من كل الحراس
تخرج مثل شعاع الفجر وهم نوام
خرجة ” بطرس ”
يوم أفاقوا حاروا ” أين الكلمة ” ؟
خرجت تأسو كل جراح الناس
أو ” كمحمد ” ..
ليلة شاءوا يا قبرتى قتله
ثم أفاقوا حاروا ” أين الكلمة ” ؟
خرجت تمشى بين الناس الدعوة
وكسقراط ..
شرب السم ولكن عاشت منه الكلمة
” اعرف نفسك ”
أو كيسوع ..
مات ولكن أسلم للأجيال الكلمة
” اللّه محبة ”
وكأخناتون
قد أكلته النار ولكن ..
عاشت رغم النار الكلمة ..
أبدا لم يحرقها الكهنة
ومشت بين الناس ” سلام يا آتون ! ”
هل يمنع سد هذى الموجة ..
من أن ترقص فوق الشط ؟ !
دوما سوف يزول السد
لترقص فوق الشط الكلمة
هذا يا قبرتى سر الكلمة ! !

لزوم ما يلزم : شعر : نجيب سرور

قد آن ياكيخوت للقلب الجريح
أن يستريح ،
فاحفر هنا قبراً ونم
وانقش على الصخر الأصم :
” يا نابشا قبرى حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام ،
لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام ،
هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام .
أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان
إن عد فرسان الزمان
لكن قلبى كان دوماً قلب فارس
كره المنافق والجبان
مقدار ما عشق الحقيقة .
قولوا ” لدولسين ” الجميلة (1) ..
” أَخْطَابَ (2) ” .. قريتى الحبيبة :
” هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة ..
لم يلق فى طول الطريق سوى اللصوص ،
حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص ..
فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص ! ” .
( 2 )
– ها أنت تقفز للنهاية ،
– هلا حكيت من البداية .
– ولمن أقول ؟ !
– هذى صفوف السنط والصبار تُنصت للحكاية :
– ألها عقول ؟
– ماذا يضيرك .. أَلْقِ ما فى القلب حتى للحجر ،
أو ليس أحفظُ للنقوش من البشر ؟ !
( 3 )
يا سيداتى يا أميراتى الحسان ..
أن لن أقول لكن ما أسْمى بين فرسان الزمان ،
ولتنطق الأفعال من قبل اللسان ..
… … … … … …
من أين أبدأ والظلام ،
يلتفت فى أقصى الوراء وفى الأمام !
عرجاء حتى الذاكرة ..
والذكريات !
يا سيداتى معذرة ..
أنا لا أجيد القول ، قد أُنْسِيتُ فى المنفى الكلام ،
وعرفتُ سرَّ الصمت .. كم ماتت على شفتى فى المنفى الحروف !
الصمت ليس هنيهةً قبل الكلام ،
الصمت ليس هنيهة بين الكلام ،
الصمت ليس هنيهة بعد الكلام ،
الصمت حرف لايُخَط ولا يقال ..
الصمت يعنى الصمت .. هل يغنى الجحيم سوى الجحيم ؟ !
عجباً .. أتضحك من كلامى السيدات .
” مم الضحك ؟ ! ”
( 4 )
– ” الماء قد فسرته بالماء بعد الجهد لاتيأس وحاول من جديد ..
كيخوت لاتصمت .. أليس الصمت – قلت – هو الجحيم !
– ” لا .. بل فقلن الصمت موت ، أو ليس الموت صمتْ ؟ !
الحرف مثل النبت .. هل يحيا بغير الأرض نبتْ ؟ !
ولكل نبت أرضه المعطاء ليس يعيش فى أرض سواها ..
الحرف يذبل يا أميراتى الحسان ..
ويموت لو ينفى ، وينسى لايمر على لسان !
حلفتكن بكل غال ،
هل ما تزال ..
فيكن واحدة تخمن من أنا ؟ ! ”
( 5 )
من أنت ؟ .. تطعنك العيون ،
وتظل تنزف ، والسنون ..
تمضى كأسراب السحاب ..
فى الصيف .. تبخل بالجواب ! .
من أنت .. ؟ .. لاتدرى .. وتدرى ما العذاب !
ما غربة الضفدع فى الأرض الخراب
ما ضيعة البولة فى الحمام والبصقة فى يوم المطر !
( 6 )
” حدقن .. أمعن النظر ..
هذا حصانى جائزة ..
تُهدى لمن منكن تذكر من أنا ! ..
تضحكن ثانية أميراتى الحسان !
بعيونكن ألا فقلن ..
أمن الحصان على الهزال ..
تضحكن .. أم منى على سخف السؤال ؟ ! ”
( 7 )
– قدم اليهن البطاقة !
– ما من بطاقة .
– قدم اليهن الجواز !
– ما من جواز .
لا وشم حتى فوق زند أو ذراع !
– يا للضياع !
وتظل تنهشك الوحوش ،
هذى العيون الخاليات من الرموش !
لو كان يعرف بالقلوب الناس لم يصفعك دوماً بالسؤال ..
– كل ابن كلب –
” من أنت ؟ ” .. كالقفاز فى عينيك يرمى بالسكين قلب !
وترى الكلاب تتيه كالفرسان .. والفرسان أضيع من كلاب !
– يا .. كلاب ..
كبدى خذوه ..
يا ناهشى الأكباد هاكُمْ فانهشوه ،
وليرحم اللّه الضحايا .. يرحم اللّه الضحايا !!
– لا .. لا تبالغ .. ما لهذا الحد أنت لهم ضحية
أخطأت أنت كما هم أخطأوا ..
أو علَّ سرا ثالثاً خلف الخطأ !
انا لتعجزنا الحياة ..
فنلومها .. لا عجزنا ،
ونروح نندب حظنا ،
ونقول : هذا العصر لم يخلق لنا !
– هو عصرنا !
– لكننا لسنا به الفرسان ..
نحن قطيع عميان يفتش فى الفراغ عن البطولة ،
والأرض بالأبطال ملأى حولنا !
– ملأى .. ولكن باللصوص !
– الكأس حقاً نصف فارغة فماذا لو ترى النصف الملىء ؟ !
لو لم تكن فى العالم الأضداد ما قلنا : ” عظيم أو قمىء ” !
– إنى لأعلم .. غير أن الزيف يغتال الحقيقة !
أقرأت يوما فى الحكايات القديمة ،
عن غادة حسناء فى أنياب غول ؟ !
أرأيت يوما ضفدعه ..
ما بين فكى أفعوان ؟!
من ها هنا بدء الحكاية
يا قريتى .. يا عالمى ..
يا عالمى .. يا قريتى .. !!
( 8 )
” ياسيداتى يا أميراتى الحسان ..
إنى أتيتُ إلى الوجودِ كما يجىءُ الأنبياء !
لا .. لست أنتحل النبوَّة ، غير أنى مثلهم ،
فى مذود يوما ولدت !
فى قريتى ” أخطاب ” .. حيث الناس من هول الحياة ،
موتى على قيد الحياة !
لا الأرض غنت لى ، ولا صلت لِمَقْدَمِىَ النجوم ،
ولا السماء تفتحت عن طاقةِ القدر السعيد ،
ولا الملائك باركوا مهدى ..
ولا هبطت تُصَفّق فوق رأسى بالجناحين حمامة !
قالوا : غراب ظل ينعق يومها فوق النخيل ..
حتى الفجر !
وعرفت أن الشمس لم تعبر بقريتنا .. ولا مر القمر ..
بدروبها من ألف جيل
ولا العيون تبسمت يوماً لمولود ولا دمعت لانسان يموت ..
فالناس من هول الحياة ..
موتى على قيد الحياة !
( 9 )
وظهيرة .. آويت من لفح الهجير ،
لظلال صفصاف يُطِلُّ على غدير ،
وجلست محزوناً أنقل فى المدى بصرى .. فحط على الحقول ،
وعلى بيوتِ الطينِ ، والقصر الكبير ،
وعلى القبور ،
وأنا أدندن أغنية :
” يا بهية وخبرينى ع اللى قتل ياسين ” !
وسمعت ضفدعة بقربى تستجير ..
كانت بفكَّىْ أفعوان !
عبثاً هُرِعْتُ بغصن صفصاف ، فقد فات الأوان ،
غابت وغاب الأفعوان :
ما غصن صفصاف بمعركة الأفاعى والضفادع ؟ !
( 10 )
يا سيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
وحفظت فى الكتاب آيات الكتاب ،
عن ظهر قلب .
ونسيتها عن قلب ظهر !
إلا علامات على جسمى لضرب .
– بهراوة عمياء – مثل بقية الوشم القديم ،
وغراب هابيلَ وقابيلَ ، وفأساً للخليل ،
والفعل – فعل الأمر – ” اقرأ ! ”
فقرأت ما ألقت به الأيام بين يدى : أدهم ..
والزير سالم ، والهلالى ، وابن ذى يزن وعنتر ..
ياسيداتى .. ثم نادانى من الأعماق صوت :
” قَرَّباَ مربط النعامة منى ..
لم أكن من جناتها علم اللّه وانى بحرها اليوم صالى ” !
( 11 )
لكنهم قتلوا النعامة !
كم مرة بالنوق جاءوا ، أجحروا القرية من قبل المغيب ،
كم مرة قصوا بمقراض الحمير ..
قصوا الشوارب والشعور ،
ولحى الشيوخ ، وأطلقوا الكرباج يَرْتَعُ فى الظهور ،
كم مرة هجموا بيوت الطين ، داسوا بالنعال على الحبالى
أوسعوا المرضع ضرباً والرضيع ،
كم مرة غنت بهية ..
ياسينها المقتول من فوق الهجين !
ياهول معركة الأفاعى والضفادع .
( 12 )
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
ورحلت يوماً للمدينة ،
فى ركبِ قافلةٍ ممزقةٍ حزينة
كُنّا أَهَلْنا فوق أمى آيتين من الكتاب ، وكومتين من التراب ..
وقالبىْ طوب وطبعاً ما تيسر من دموع !
لافرق يا أخطاب بينك والمدينة ،
غير المداخن والمآذن والقلاع الشاهقة ،
غير الزحام ،
وضجيج آلاف الطبول ،
ونذير أجراس الترام .
يا سيداتى.. يا أميراتى الحسان ،
وهنا البغايا كالذباب بغير حصر ،
ومشاتل البوليس والمتسولين بكل شبر ،
وقوافل جَوْعَى تهيمُ من الرصيف إلى الرصيف ..
حيرى تفتش عن رغيف !
والسوق لاتغفو .. تضج من الصباح إلى الصباح :
( من يشترى ؟ – وبكم تبيع ؟ !
يفتح اللّه – اتفقنا ! – يابلاش ! )
وهنا يباع ويشترى ..
ياسيداتى .. كل شىء !
حتى الترام يباع فى وضح النهار ..
للقادمين من القرى .. !
يادفتر الأرقام ما ثمنى ؟! أنا مثل التراب بلا ثمن ..
لاشىء بالمجان غير الموت .. لكن .. لامفر من الكفن !
( 13 )
كيخوت مهلاً .. ما هناك ؟
بحر من المتظاهرين هديره شق السماء ،
بالموت .. بالموت الزؤام .. أو الجلاء ؟
كيخوت .. ما الموت الزؤام .. وما الجلاء ؟
من هؤلاء ؟ !
ما هؤلاء ؟ !
وإذاك بين الموج تطفو كى تغوص ،
وتغوص كى تطفو – صغيراً أنت كنت – !
ما غير هذا حوت يونس ،
ما غير هذا .. أنت توشك تختنق !
وصرخت ياكيخوت بالموت الزؤام وبالجلاء ..
حتى لُفظت إلى الرصيف ،
فجعلت تهتف من هناك ..
وبمثل صوت الضفدعه ،
كيخوت وحدك .. بالرغيف ..
وسقوط ” باشا ” كان فى اخطاب فى القصر الكبير ،
واذا بكف كالجبل ..
تهوى عليك .. على قفاك ..
كى تنكفىء ..
فوق الرصيف !
كيخوت فانهض .. هل ترى ؟ !
هجم العساكر .. بالألوف على الألوف ،
جاءوا كما الطوفان لا بالنوق بل بمصفحات ..
ومدرعات .
محفوظة ياقريتى .. فالنوق من لحم ودم ،
لا من حديد !
حوتان يقتتلان .. أيهما يكون المنتصر ؟ !
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
من يومها أدركت ما الموت الزؤام وما الجلاء ..
فالموت فى الميدان أكوام كحقل القمح فى يوم الحصاد
يا قريتى .. ها أنت مثل مدينتى ..
كِلْتَاكُما فى الهم .. فى البلوى .. سواء !
( 14 )
ووجدتنى فى غابة سوداء (3) .. آلاف الكتب .
يا رحلة فى صحبة البومة والذئب .. وآوى .. وابن آوى !
والقرد والتمساح والجحش ، وذى القرنين والقرن الوحيد !
الحرف أنت . كما تكون يكون .. أى الناس أنت ؟ !
الحرف قديس – إذا ما كنت قديساً – وداعر ..
ان كنت بين الناس داعر !
يا غابة الأقلام .. ياسوق الضمائر !
– ما أنت أول فارس .. ما أنت آخر فارس ..
قد ضيعته الكُتْبُ ، ألقت فوق عينيه الغشاوة ،
فإذاك تخلط أى شَىء ..
بأى شىء !
واذا طواحين الهواء عمالقة ،
واذا قطيع الضأن جيش مقبل كالصاعقة ،
واذا الحظيرة قلعة، والطشت تاج من ذهب ،
واذا النعيق نفير الاستقبال . ( ها قد جاء كيخوت العظيم) !
يا للخديعه الكذب ..
يا أيها الآتون من بعدى الحذار ..
كل الحذار من الكُتُب !
( 15 )
– أنكون ..
ياترى أم لا نكون !
أمن الحكمة أن نحيا الحياة ..
كيفما كانت .. ونرضى حظنا ،
أم نخوض البحر فى هول الصراع ..
عزلا .. دون شراع ،
أم ترى الحكمة فى أن ننتحر ؟ !
يا دجى .. ياصمت .. يا .. يا .. ياجنون ..
أنكون ..
ياترى أم لانكون !
– يا سؤالا حائراً منذ قرون ،
هائما ليس يقر !
– أيها الهاتف من أنت ؟ !
– أنا بصقة قبر !
– أنا خفاش عجوز ،
يكره الضوء كما تكره أنت الظلمات ،
أيها الضارب فى التيه بليل ..
كيف فى التيه المفر ؟
يا صديقى .. خذ طريقى .. وانتحر !
– انتحر ؟ !
– راحة الراحات ، ترياق الألم ،
وخلاصات خلاصات الحكم ..
أنت لاتملك غير الكلمات ،
حيلة العاجز عن كل الحيل
( كلمات .. كلمات .. كلمات )
غُصْنُ صفصاف هزيل ..
أى عُكّاز وفى الدرب ملايين الحفر !
أوشك الديك يصيح ،
وسَرَتْ كالسم أنفاس الصباح ،
فوداعاً .. أو اذا شئت اختصر ..
وليكن وشْك لقاء !
– أيها الهاتف قف ..
أيها الهاتف قف ..
………………….
أنكون ..
يا ترى ..
أم لا نكون !!
( 16 )
(فتوى !
– أعطوا لقيصر ما لقيصر ،
وللاله ..
ما للاله !
– فما الذى تعطى لنا ؟ !
– ماذا تبقى عندكم ؟
– لم يبقى شىء ..
– فاهنأوا .. طوبى لكم !
( 17 )
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..!
صَلَّيْتُ فى الماخور كى أعرف أسرارَ الطهارة ،
وزنيت فى المحرابِ كى أسبر أغوار الدعارة ،
لكن شيئاً واحداً لم أقترفه .. هو اللواطة !
ياسيداتى معذرة ..
ان كنت قد جانبت آداب اللياقة .
أنا لست أعنى فتنة الغلمان .. ما كان ” ابن هانىء ” ..
فى الحق لوطيا .. ولكن اللواطة أن تقول ..
ما لاتريد ،
أو أن تريد ولا تقول !
قالوا قديما : ( لاتخف ان قلت ، واصمت لاتقل ..
ان خفت ) .. لكنى أقول :
الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف !
قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد ..
لو بعدها الطوفان قلها فى الوجوه بلا وجل :
” الملك عريان ” .. ومن يفتى بما ليس الحقيقه ..
فليلقنى خلف الجبل !
انى هنالك منتظر ..
والعار للعميان قلبا أو بصر ،
وإلى الجحيم بكل ألوان الخطر !

ملكوت الأرض ـ شعر : نجيب سرور

يا قبرتى .. بعدت عنا عين الحارس
هيا نوجز هذا البحر
مهلا .. مهلا .. هل تبكين ؟
يا قبرتى هل تبكين ؟
مسحت دمعا كان ينام على تفاح الخد
مثل دموع الصبح تنام على أوراق الورد
” شوفى .. شوفى العصفورة !! ”
ضحكت مثل الطفل وقالت :
– يا عصفورى .. لست صغيرة !
– ليت الناس جميعا كالأطفال !
والحق أقول ..
لن ندخل فى ملكوت الأرض
ما لم نرجع يا قبرتى كالأطفال
– قل لى .. ما ملكوت الأرض ؟
– كان قديما فى السموات
يدعى يا قبرتى ” الجنة ”
. . . . . . . . . . . .
دالت للإنسان الأرض !
أوغل فيها .. خاض بحارا سبعة
شق صحارى سبع
ذاق الويل
لاقى كل صنوف الهول
جاع .. تعرى .. علق فى السفود
شرد .. طورد .. سمر فى الصلبان
كتف .. ألقى للنيران
مات مسيح يا قبرتى بعد مسيح
لكن لم يمت الإنسان !
كيف يموت ..
وهو يرص الطوبة فوق الطوب
يبنى فى الأرض الملكوت
يصنع يا قبرتى الجنة .. ؟ !
يا كم رفع سزيف الصخرة
يا كم سقطت منه المرة بعد المرة
لا .. لن تيأس يا سيزيف
يوما سوف تقر هنالك فوق القمة
تهتف منها فى البشرية :
لا صلبان ولا أحزان
شبع الجوعى
شفى المرضى
قام الموتى
أبصر فى الأرض العميان
فتحت أبواب الملكوت ..
ما قد صعد إبن الإنسان
للحرية ! !

سر الكلمة ـ شعر : نجيب سرور

قبرتى .. لا يعلو شىء فوق الكلمة
كانت مذ كان الإنسان
كانت أول .. كانت أعظم ثورة !
كانت تعلو منذ البدء على الأسوار
تسخر من كل الحراس
تخرج مثل شعاع الفجر وهم نوام
خرجة ” بطرس ”
يوم أفاقوا حاروا ” أين الكلمة ” ؟
خرجت تأسو كل جراح الناس
أو ” كمحمد ” ..
ليلة شاءوا يا قبرتى قتله
ثم أفاقوا حاروا ” أين الكلمة ” ؟
خرجت تمشى بين الناس الدعوة
وكسقراط ..
شرب السم ولكن عاشت منه الكلمة
” اعرف نفسك ”
أو كيسوع ..
مات ولكن أسلم للأجيال الكلمة
” اللّه محبة ”
وكأخناتون
قد أكلته النار ولكن ..
عاشت رغم النار الكلمة ..
أبدا لم يحرقها الكهنة
ومشت بين الناس ” سلام يا آتون ! ”
هل يمنع سد هذى الموجة ..
من أن ترقص فوق الشط ؟ !
دوما سوف يزول السد
لترقص فوق الشط الكلمة
هذا يا قبرتى سر الكلمة ! !

قصائد نزار قباني

قصيدة ضد كل شيء -شعر : نزار قباني

لا يمكنني أن أبقى طول حياتي
مسمارا مدقوقا في جسد الوطن ..
و في جسد اللغة
أو في جسد حبيبتي
إنني أنتمي إلى طبقة من الشعراء
يستحيل تصنيفهم
و إلى نوع من الخيول العربية
ليس لها مالك ..
و إلى نوع من الطيور الجارحة
يستحيل تدجينها
و إلى نوع من الأشجار لا تموت إلا وهي واقفة
و إلى فصيلة من الأرانب المتوحشة
لا تنام إلا في أحضان النساء ! !

ـ 2 ـ

من رحم الحرية ولدت
وفي رحم الحرية سأدفن
هذه باختصار .. هي سيرتي الذاتية

ـ 3 ـ

لا يمكن لأي نظام
أن يلقي القبض على قصائدي
لأنها مدهونة بزيت الحرية ! !

ـ 4 ـ

منذ أن نزلت من بطن أمي
و أنا أحترف التحريض
و أحرض اللغة على مفرداتها
و النص على كتابه
و الشفة على كَرَزِهَا
و العيون على سوادها
و الأساور على معاصمها
و الأنوثة على أنوثتها

ـ 5 ـ

القصائد التي أكتبها ..
لا تشبه أحدا
لا تشبه قصائد جرير
أو طرفة بن العبد
أو العباس بن الأحنف
أو عروة بن ورد
أو جميل بثينة
إنها تشبهني وحدي
بعيني الزرقاوين
و شعري المغطى بالثلوج
و أصابعي التي أحرقتها السجائر
و لغتي التي أخذتها عن عصافير
الشام ….

ـ 6 ـ

كتابة قصيدة حب
في الوطن العربي
تشبه حكاية قميص من الحرير
لأجساد …
تعودت أن تلبس الخيش ! !

ـ 7 ـ

كلما تغزلت بامرأة جميلة
و أهديتها زهرة ياسمين
جاء عمال البلدية في اليوم الثاني
فاقتلعوها ..
و بنوا في مكانها سجنا للنساء

ـ 8 ـ

ما بوسع الشعر أن يفعل ؟
إن العلم العربي
يحتاج إلى ملون شاعر ..

ـ 9 ـ

لا أعتذر عن أية قصيدة نشرتها
فالشاعر يتجمل بأخطائه ..
و يكررها ..
كما يكرر البحر زرقته
و القمر بياضه
و الوردة أريجا
و المرأة ماكياجها اليومي

ـ 10 ـ

لا أحي قصائدي
التي تلبس السترة الواقية من الرصاص
و تضع في جيبها بوليصة التأمين ..
و تكون بردا .. و سلاما ..
على من يقرأونها ..

ـ 11 ـ

أحب قصائدي
التي تعصف .. و تفتك ..
و ترج طمأنينة الدراويش ..
و توصلني ..
مرة إلى غرفة الإنعاش
و مرة إلى النيابة العامة
و مرة إلى حبل المشنقة

ـ 12 ـ

أنا لا أصنع لكم بشعري
كراسي هزازة ..
من أجل قيلولتكم
إنني أصنع لكم وسائد
محشوة بالأعاصير ..
و دبابيس القلق
و سكاكين الأسئلة ! ..

ـ 13 ـ

القصيدة …
ليست مضيفة طيران
مهمتها الترفيه عن المسافرين
ولكنها …
امرأة انتحارية ..
تخطط لخطف الطائرة …

ـ 14 ـ

لكل امرأة جديدة …
أكتب قصيدة جديدة
ليس عندي ثياب جاهزة
لكسوة كل نساء القبيلة ! !

ـ 15 ـ

إنني لم أرث حبيباتي
عن عمر بن أبي ربيعة
و لا عن سواه من الشعراء الغزليين ..
فأنا أعجن نسائي بيدي ..
كفطائر العسل
و أسبكهن في مختبري
كدنانير الفضة ..
إنني في شؤون الحب
لا أومن باستعارة النساء من الآخرين ..
و لا أقبل أن أعشق امرأة
تأتيني عن الهبة أو .. الوصية
أو الخلعة الأميرية ..
و إنني في كل خياراتي الشعرية ..
و العطفية
أرفض استعمال المستعمل ! ! .

ـ 16 ـ

ثمة رجال مثقفون ..
عندما يجلسون مع المرأة ..
يتصرفون كأميين ..
و يتأتئون عل سرير الحب
كأنهم لا يعرفون القراءة
و لا الكتابة ! ! .

ـ 17 ـ

القصيدة ..
التي لا تنزف عن أصابع قرائها
مصابة بفقر الدم ..

ـ 18 ـ

منذ أن أصبح الوطن ..
لا يأكل سوى الخوف ..
و لا يتقيأ سوى الزجاج .. و المسامير ..
توقفت في الشعر ..
عن صناعة الشوكولاتة ..

ـ 19 ـ

( أعمالي الشعرية الكاملة )
لم تكتمل ..
و لن تكتمل أبدا ..
طالما أن الأصابع لا تزال ترتعش
و القلب لا يزال مستنفرا
و أمطار الكحل لا تزال تنهمر ..
و الهاتف لا يزال يرن ..
و البريد لا يزال يصل ..
و النساء الجميلات ..
لا يزلن في غرفة الانتظار ! ! .

ـ 20 ـ

بيني وبين الشعب العربي
ميثاق شرف
عمره خمسون عاما
كل المواثيق الأخرى
التي تحمل إمضاء أبي لهب ..
أكلها اللهب ! ! .

ـ 21 ـ

يبقى الجمهور العربي
ثروتي القومية
و لو أنني غامرت بهذا الرصيد العظيم
لأعلنت محكمة الشعر إفلاسي ..
و ختمت قصائدي
بالشمع الأحمر …

ـ 22 ـ

لم أتناول العشاء أبدا ..
على مائدة أي سلطان ..
أو جنرال
أو أمير
أو وزير
إن حاستي السادسة كانت تنبئني
دائما ..
أن العشاء مع هؤلاء
سوف يكون العشاء الأخير ! !

في المقهى – شعر : نزار قباني

جواري اتخذت مقعدها
كوعاء الورد في اطمئنانها
وكتاب ضارع في يدها
يحصد الفضلة من إيمانها
يثب الفنجان من لهفته
في يدي ، شوقا إلى فنجانها
آه من قبعة الشمس التي
يلهث الصيف على خيطانها
جولة الضوء على ركبتها
زلزلت روحي من أركانها
هي من فنجانها شاربة وأنا أشرب من أجفانها
قصة العينين .. تستعبدني
من رأى الأنجم في طوفانها
كلما حدقت فيها ضحكت
وتعرى الثلج في أسنانها
شاركيني قهوة الصبح .. ولا
تدفني نفسك في أشجانها
إنني جارك يا سيدتي
والربى تسأل عن جيرانها
من أنا .. خلي السؤالات أنا
لوحة تبحث عن ألوانها
موعدا .. سيدتي! وابتسمت
وأشارت لي إلى عنوانها..
وتطلعت فلم ألمح سوى
طبعة الحمرة في فنجانها

من قتل الإمام ؟
المخبرون يملأون غرفتي
من قتل الإمام ؟
أحذية الجنود فوق رقبتي
من قتل الإمام ؟
من طعن الدرويش صاحب الطريقة
و مزق الجبة .. و الكشكول .. و المسبحة الأنيقة
يا سادتي :
لا تقلعوا أظافري .. بحثا عن الحقيقة
في جثة القتيل .. دوما .. تسكن الحقيقة
ـ 2 ـ

من قتل الإمام ؟
عساكر بكامل السلاح يدخلون ..
عساكر بكامل السلاح يخرجون ..
محاضر ..
آلات تسجيل ..
مصورون ..
يا سادتي ..
ما النفع من إفادتي ؟
ما دمتم ـ إن قلت أو ما قلت ـ
سوف تكتبون
ما تنفع استغاثتي ؟
ما دمتم ـ إن قلت أو ما قلت ـ
سوف تضربون
ما دمتم … منذ حكمتم بلدي
عني تفكرون ..

ـ 3 ـ

لست شيوعيا ـ كما قيل لكم ـ
يا سادتي الكرام
و لا يمينيا كما قيل لكم ـ
يا سادتي الكرام ..
مسقط رأسي في دمشق الشام
هل واحد من بينكم ؟
يعرف أين الشام ؟
هل واحد من بينكم ؟
أدمن سكنى الشام ؟
رواه ماء الشام
كواه عشق الشام
تأكدوا يا سادتي ..
لن تجدوا ..
في أسواق الورود وردة كالشام
و في دكاكين الحُلي جميعها
لؤلؤة كالشام
لن تجدوا حزينة العينين .. مثل الشام

ـ 4 ـ

لست عميلا قذرا
ـ كما يقول مخبروكم ـ سادتي الكرام
و لا سرقت قمحة
و لا قتلت نملة
و لا دخلت مركز بوليس .. يوما ..
سادتي الكرام
يعرفني في حارتي الصغير و الكبير
يعرفني الأطفال و الأشجار و الحمام
و أنبياء الله يعرفونني
عليهم الصلاة و السلام
الصلوات الخمس لا أقطعها
يا سادتي الكرام
و خطبة الجمعة لا تفوتني
يا سادتي الكرام
و غير ثديي زوجتي لا أعرف الحرام
في ربع قرن و أنا
أمارس الركوع و السجود
أمارس القيام و القعود
أمارس التشخيص خلف حضرة الإمام
يقول : ( اللهم امحق دولة اليهود )
أقول : ( اللهم امحق دولة اليهود )
يقول : ( اللهم شتت شملهم )
أقول : ( اللهم شتت شملهم )
يقول : ( اللهم اقطع نسلهم )
أقول : ( اللهم اقطع نسلهم )
يقول : ( اعزق حرثهم و زرعهم )
أقول : ( اعزق حرثهم و زرعهم )
و هكذا يا سادتي الكرام
قضيت عشرين سنة ..
أعيش في حضيرة الأغنام
أعلف كالأغنام
أنام كالأغنام
أبول كالأغنام
أدور كالحبة في مسبحة الإمام
أعيد كالببغاء ،
كل ما يقول حضرة الإمام
لا عقل لي ..
لا رأس ..
لا أقدام ..
أستنشق الزكام من لحيته
و السل من العظام
قضيت عشرين سنة
مكوما ..
كرزمة القش على السجادة الحمراء
أُجلد كل جمعة بخطبة غراء
أبتلع البيان ، و البديع ،
و القصائد العصماء
أبتلع الهراء ..
عشرين عاما ..
و أنا يا سادتي
أسكن في طاحونة
ما طحنت ـ قط ـ سوى الهواء ..

ـ 5 ـ

يا سادتي !
بخنجري هذا الذي ترونه
طعنته ..
في صدره و الرقبة
طعنته ..
في عقله المنخور مثل الخشبة
طعنته باسم أنا
و اسم الملايين من الأغنام
يا سادتي
أعرف أن تهمتي
عقابها الإعدام
لكنني
قتلت إذا قتلته
كل الصراصير التي تنشد في الظلام
و المسترخين على أرصفة الأحلام
قتلتُ إذا قتلته
كل الطفيليات في حديقة الإسلام
كل الذين يطلبون الرزق ..
من دُكَّانَةِ الإسلام
قتلت إذا قتلته
يا سادتي الكرام
كل الذين منذ ألف عام
يزنون بالكلام .

من قتل مدرس التاريخ – شعر : نزار قباني

من أين يأتينا الفرح ؟
و لوننا المفضل السواد
نفوسنا سواد
عقولنا سواد
داخلنا سواد
حتى البياض عندنا
يميل إلى السواد …

ـ 2 ـ

من أين يأتينا الفرح ؟ و كل ما يحدث في حياتنا
مسلسل استبداد
الوطن استبداد
و الهجرة استبداد
و الصحف الرسمية استبداد
و الشرطة السرية استبداد
و الزوجة استبداد
و عشقنا لامرأة جميلة جدا
هو استبداد ! !

ـ 3 ـ

من أين يأتينا الفرح ؟
و كل طفل عندنا تجري على ثيابه
دماء كربلاء ..
و الفكرفي بلادنا
أرخص من حذاء …
و غاية الدنيا لدينا :
الجنس … و النساء ! !

ـ 4 ـ

من أين يأتينا الفرح ؟
و نحن من يوم تخاصمنا
على النسوان في غرناطة ..
تفككت أمتنا ..
و هرهرت دولتنا
و طارت بلادنا ! !

ـ 5 ـ

الشجر الأطول في بلادي
شجر الأحفاد !ّ! ..

ـ 6 ـ

يدهشني
بأن كل وردة في وطني
تلبس في زفافها
ملابس الحداد ..

ـ 7 ـ

ليس لدينا أمة خالدة
أو دولة واحدة
و إنما أفراد …

ـ 8 ـ

هل هذه جرائد تقرؤها ؟
أم أنها جنازة
و دعوة للحزن و الحداد

ـ 9 ـ

نصوصنا منقولة
أصواتنا ..
تخرج من حناجر الأجداد ..

ـ 10 ـ

أكره ( ألف ليلة ) ..
و أكره النوم كمجدوب
على دراع شهرزاد …

ـ 11 ـ

من أين يأتينا الفرح ؟
أطفالنا ما شاهدوا في عمرهم
قوس قزح …

ـ 12 ـ

من أين يأتينا الفرح ؟
و نحن من يوم خرجنا من فلسطين
و من ذاكرة الليمون ، و الخوخ ،
تحولنا إلى رماد …

ـ 13 ـ

و نحن من يوم تركنا بحر بيروت
تركنا خلفنا
أثداء أمهاتنا
وورد ذكرياتنا
وبيت حرياتنا
كما تركنا خلفنا ،
شهادة الميلاد …

ـ 14 ـ

لقد أكلنا بعضنا بعضا
فهل تعذرنا الأسماك و الجراد ؟ …

ـ 15 ـ

حتى ثياب الله في بلادنا
تباع بالمزاد ! ! …

ـ 16 ـ

من أين يأتينا الفرح ؟
ما طار طير عندنا إلا انذبح ..
و لا نبي جاءنا
إلا بأيدينا انذبح ..
و لا أتانا مصلح .. أو مبدع ..
أو كاتب .. أو شاعر ..
إلا على وسادة الشعر .. انذبح !!

ـ 17 ـ

محرم في وطني
تنقل الهواء ..
محرم تنقل الكحلة
في أعين النساء ..
محرم تنقل القيدة ..
محرم .. محرم ..
تنقل الأفعال .. و الأسماء

ـ 18 ـ

يَرْتَعِبُ الحكام
في العلم الثالث ، من صوت العصافير
و من ضَوْعِ الأزاهير
و من زرقة الحمام ..
و يدخلون البحر للسجن إذا أسرف في الكلام
صعب على الحكام في عالمنا الثالث
أن يصالحوا الفكر ..
و أن يصادقوا الأقلام ..
هل يستطيع الذئب أن يصادق الأغنام ؟؟

ـ 19 ـ

في سالف الزمان .. كنا
أمراء الشعر ، و البيان ، و البديع ، و الخطابة
و أصبحت مهمتنا الآن ..
بأن نفترس الكتابة !!

ـ 20 ـ

أول قصر من قصور العلم و الثقافة
أسسه الخليفة المأمون
و جاء حكام إلى بلادنا ، من بعده
تخصصوا في مهنة القتل ..
و في هندسة السجون !!

ـ 21 ـ

في زمن الطفولة
قرأت آلاف الأقاصيص
عن النخوة .. و النجدة .. و العزة
و الإباء .. و الفداء .. و السخاء .. و الشجاعة
ثم اكتشفت عندما دخلت في الكهولة
بأن نصف ما قرأته في حصة التاريخ ،
ما كان سوى إشاعة …

قراءة ثانية في مقدمة ابن خلدون – شعر : نزار قباني

هذا هو التاريخ, يا صديقتي
من غير ما تعليق
وكل ما قرأت عن سيرتنا العطرة
من كرم..
ونجدة..
و نخوة..
و العفو عند المقدرة..
ليس سوى تلفيق..
وكل ما سمعته من قصص الشهامة
وعن سجايا حاتم
وعن حكايا عنترة.. لم يبق شيئ منه في المفكرة
وكل ما سمعت عن حروبنا المظفرة
وكرنا..
و فرنا..
وارضنا المحررة..
ليس سوى تلفيق..
هذا هو التاريخ, يا صديقتي
فنحن منذ ان توفى الرسول
سائرون في جنازة..
ونحن, منذ مصرع الحسين,
سائرون في جنازة..
ونحن, من يوم تخاصمنا
على البلدان..
والنسوان..
والغلمان..
في غرناطة
موتى, ولكن ما لهم جنازة !!

لا تثقي, بما روى التاريخ, يا صديقتي
فنصفه هلوسة..
ونصفه خطابة..
اطفالنا, ليس لهم طفولة
سماؤنا, ليس بها سحابة
نساؤنا.. ما زلن في ثلاجة الخليفة
عشاقنا..
يستنشقون وردة الكآبة
كتابنا, يحاولون القفز كالفئران
من مصيدة الرقابة..

لا تثقي , يا صديقتي
بكل ما تقوله الحكومة
فعزفها مكرر..
وصوتها نشاز..
المخبرون.. كسروا عظامنا
وشعبنا..
يمشي على عكاز..

صديقة العمر التي..
اقرأ في عيونها المأساة
صديقة العمر التي تقتسم المنفى معي..
والحزن .. والشتات..
نحن شعوب تجهل الفرح
اطفالنا ما شاهدوا في عمرهم
قوس قزح..
هذي بلاد اقفلت ابوابها..
والغت التفكير عند شعبها
والغت الاحساس..
هذي بلاد تطلق النار على الحمام..
والغمام..
والاجراس..

ما طار طير عندنا..
الا اتذبح..
ولا تغنى شاعر بشعره..
الا انذبح..
هذي بلاد ..
ما بها مسيرة تمشي..
ولا ذبابة تطير من حي.. الى حي..
ولا امسية شعرية تعطي..
ولا اعراس…

هذي بلاد
نصفها زنزانة
ونصفها حراس..
تزوج الموتى نساء بعضهم
فاين راح الناس؟

تقول لي سائحة شقراء من فرنسا:
بلادكم اجمل ما شاهدت من بلدان
فالماء فيها ضاحك..
والورد فيها ضاحك..
والخوخ.. والرمان..
والياسمين عندكم,
يمشط الشعر على الحيطان..
فكيف في بلادكم
لا يضحك الانسان

من قصائد نزار

قصيده : حبيبتي .. تغيرنا

تغيركل ما فينا..تغيرنا
تغير لون بشرتنا …
تساقط زهر روضتنا
تهاوى سحر ماضينا
تغير كل ما فينا…تغيرنا
زمان كان يسعدنا …نراه الآن يشقينا
وحب عاش في دمنا …تسرب بين أيدينا
وشوق كان يحملنا …فتسكرنا أمانينا
ولحن كان يبعثنا …إذا ماتت أغانينا تغيرنا
تغيرنا ….تغير كل ما فينا

وأعجب من حكايتنا …تكسر نبضها فينا
كهوف الصمت تجمعنا …دروب الخوف تلقينا
وصرتِ حبيبتي طيفا لشيئ كان في صدري
قضينا العمر يفرحنا ….وعشنا العمر يبكينا
غدونا بعده موتى ..فمن يا قلب يحيينا ؟؟

قصيده : بائع الأحلام

تسألونيالحلم أفلس بائع الأحلام
ماذا أبيع لكم !
وصوتي ضاع وأختنق الكلام
ما زلت أصرخ في الشوارع
أوهم الأموات أني لم أمت كالناس ..
لم أصبح وراء الصمت شيئاً من حطام
مازلت كالمجنون
أحمل بعض أحلامي وأمضي في الزحام

لا تسألوني الحُلم
أفلس بائع الأحلام ..
فالأرض خاوية ..
وكل حدائق الأحلام يأكلها البَوَار
ماذا أبيع لكم .. ؟
وكل سنابل الأحلام في عيني دمار
ماذا أبيع لكم ؟
وأيامي انتظار …….. في انتظار

قصيده : وعشقت غيري

وأتيتَتسأل ياحبيبي عن هوايا
هل مايزال يعيش في قلبي ويسكن في الحنايا؟
هل ظل يكبر بين أعماقي ويسري..في دمايا؟
الحبُ ياعمري..تمزقه الخطايا
قد كنتَ يوماً حب عمري قبل ان تهوى..سوايا

أيامُك الخضراء ذاب ربيعُها
وتساقطت أزهاره في خاطري..
يامن غرسَت الحب بين جوانحي ..
وملكت قلبي واحتويت مشاعري
للملمت بالنسيان جرحي ..بعدما
ضيعت أيامي بحلم عابر..

لو كنت تسمع صوت حبك في دمي
قد كان مثل النبض في أعماقي
كم غارت الخفقاتُ من همساته..
كم عانقته مع المنى أشواقي

قلبي تعلم كيف يجفو ..من جفا
وسلكت درب البعد ..والنسيانِ
قد كان حبك في فؤادي روضة
ملأت حياتي بهجة ..وأغاني
وأتى الخريف فمات كل رحيقها
وغداالربيع..ممزقَ الأغصان

مازال في قلبي رحيقُ لقائنا
من ذاق طعمَ الحب..لا ينساه..
ماعاد يحملني حنيني للهوى
لكنني أحيا..على ذكراهُ
قلبي يعود إلي الطريق ولا يرى
في العمر شيئاً..غيرطيف صبانا
أيام كان الدربُ مثل قلوبنا..

                           نمضى عليه..فلا يملُ خطانا

قصيده : وكان حلما

وتبكينحباً .. مضى عنكِ يوماً *** وسافر عنكِ لدنيا المحال
لقد كان حلماً .. وهل في الحياةِ *** سوى الوهم – ياطفلتي- والخيال ؟
وما العمر يا أطهر الناسِ إلا *** سحابةُ صيفٍ كثيف الظلال
وتبكين حباً .. طواه الخريف *** وكل الذي بيننا للزوال
فمن قال في العمر شيء يدومُ *** تذوب الأماني ويبقى السؤال

         لماذا أتيت إذا كان حلمي *** غداً سوف يصبح.. بعض الرمال ؟ 

قصيده : بالرغم منا .. قد نضيع

(1 )
قد قال لي يوماً أبي
إن جئت يا ولدي المدينة كالغريب
وغدوت تلعق من ثراها البؤس
في الليل الكئيب
قد تشتهي فيها الصديق أو الحبيب
إن صرت يا ولدي غريباً في الزحام
أو صارت الدنيا امتهاناً .. في امتهان
أو جئت تطلب عزة الإنسان في دنيا الهوان
إن ضاقت الدنيا عليك
فخذ همومك في يديك
واذهب إلى قبر الحسين
وهناك صلي ركعتين
(2)
كانت حياتي مثل كل العاشقين
والعمر أشواق يداعبها الحنين
كانت هموم أبي تذوب .. بركعتين
كل الذي يبغيه في الدنيا صلاة في الحسين
أو دعوة لله أن يرضى عليه
لكي يرى .. جد الحسين
قد كنت مثل أبي أصلي في المساء
وأظلُ أقرأ في كتاب الله ألتمس الرجاء
أو أقرأ الكتب القديمة
أشواق ليلى أو رياضَ .. أبي العلاء
(3)
وأتيتُ يوماً للمدينة كالغريب
ورنينُ صوت أبي يهز مسامعي
وسط الضباب وفي الزحامِ
يهزني في مضجعي
ومدينتي الحيرى ضبابٌ في ضباب
أحشاؤها حُبلى بطفلٍ
غير معروف الهوية
أحزانها كرمادِ أنثى
ربما كانت ضحية
أنفاسُها كالقيدِ يعصف بالسجين
طرقاتُها .. سوداء كالليل الحزين
أشجارها صفراء والدم في شوارعها .. يسيل
كم من دماء الناس
ينـزف دون جرح .. أو طبيب
لا شيء فيك مدينتي غير الزحام
أحياؤنا .. سكنوا المقابر
قبلَ أن يأتي الرحيل
هربوا إلى الموتى أرادوا الصمت .. في دنيا الكلام
ما أثقل الدنيا …
وكل الناس تحيا .. بالكلام
(4)
وهناك في درب المدينةِ ضاع مني .. كل شيء
أضواؤها .. الصفراء كالشبح .. المخيف
جثث من الأحياء نامت فوق أشلاء .. الرصيف
ماتوا يريدون الرغيف
شيخٌ ( عجوز ) يختفي خلف الضباب
ويدغدغ المسكينُ شيئاً .. من كلام
قد كان لي مجدٌ وأيامٌ .. عظام
قد كان لي عقل يفجر
في صخور الأرض أنهار الضياء
لم يبق في الدنيا حياء
قد قلتُ ما عندي فقالوا أنني
المجنونُ .. بين العقلاء
قالوا بأني قد عصيتُ الأنبياء
(5)
دربُ المدينة صارخُ الألوانِ
فهنا يمين .. أو يسارٌ قاني
والكل يجلس فوق جسمِ جريمةٍ
هي نزعة الأخلاقِ .. في الإنسانِ
أبتاه .. أيامي هنا تمضي
مع الحزن العميق
وأعيشُ وحدي ..
قد فقدتُ القلبَ والنبضَ .. الرقيق
دربُ المدينة يا أبي دربٌ عتيق
تتربع الأحزانُ في أرجائه
ويموت فيه الحب .. والأمل الغريق
(6)
ماذا ستفعل يا أبي
إن جئتَ يوماً دربنا
أترى ستحيا مثلنا ؟؟
ستموت يا أبتاه حزناً .. بيننا
وستسمع الأصواتَ تصرخُ .. يا أبي : يا ليتنا ..يا ليتنا .. يا ليتنا
وغدوتُ بين الدربِ ألتمسُ الهروب
أين المفر؟
والعمرُ يسرع للغروب
(7)
أبتاهُ .. لا تحزن
فقد مضت السنين
ولم أصلِّ .. في الحسين
لو كنتَ يا أبتاهُ مثلي
لعرفتَ كيف يضيع منا كلُ شيء
بالرغم منا .. قد نضيع
بالرغم منا .. قد نضيع
من يمنح الغرباءَ دفئاً في الصقيع؟
من يجعل الغصنَ العقيمَ
يجيء يوماً .. بالربيع ؟
من ينقذ الإنسان من هذا .. القطيع ؟
(8)
أبتاهُ
بالأمس عدتُ إلى الحسين
صليتُ فيه الركعتين
بقيت همومي مثلما كانت
صارت همومي في المدينةِ
لا تذوب بركعتين

قصيده : عندما يغفو القدر

ورجعتُأذكرُ في الربيع عهودَنا.. *** أيامَ صُغناها عبيراً للزهر
والأغنياتُ الحالماتُ بسحرِها *** سكرالزمانُ بخمرها وغفا القدر
الليلُ يجمعُ في الصباح ثيابه *** واللحنُ مشتاقاً يعانقه الوتر
العمر ما أحلاه عند صفائهِ *** يوم بقربك كان عندي بالعمر
إني دعوت الله دعوة عاشق *** ألا تفرقنا الحياةُ .. ولا البشر ..
قالوا بأن الله يغفر في الهوى *** كل الذنوب ولا يسامح من غدر

ولقد رجعتُ الآن أذكر عهدنا *** من خان منا من تنكر .. من هجر !
فوجدتُ قلبك كالشتاء إذا صفا *** سيعودُ يعصفُ بالطيور .. وبالشجر
يوماً تحملت البعادَ مع الجفا *** ماذا سأفعلُ خبريني .. بالسهر ؟!

ورجعتُ أذكر في الربيع عهودنا *** سألتُ مارس كيف عُدتَ بلا زهر؟
ونظرتُ لليل الجحود وراعني *** الليلُ يقطع بالظلام يَدَ القمر
والأغنياتُ الحائراتُ توقفت.. *** فوق النسيم وأغمضت عين الوتر
وكأن عهدَ الحب كان سحابةً *** عاشت سنين العُمر تحلم بالمطر
من خان منا صدقيني إنني *** ما زلت اسأل أين قلبُك .. هل غدر ؟
فلتسأليه إذا خلا لك ساعة *** كيف الربيع اليومَ يغتالُ الشجر ؟!


قصيده : في هذا الزمن المجنون

لاأفتح بابي للغرباء
لا أعرف أحدا
فالباب الصامت نقطة ضوء في عيني
أو ظلمة ليل أو سجان
فالدنيا حولي أبواب
لكن السجن بلا قضبا
والخوف الحائر في العينين
يثور ويقتحم الجدران
والحلم مليك مطرود
لا جاه لديه ولا سلطان
سجنوه زماناً في قفص
سرقوا الأوسمة مع التيجان
وانتشروا مثل الفئران
أكلوا شطآن النهر
وغاصوا في دم الأغصان
صلبوا أجنحة الطير
وباعوا الموتى والأكفان
قطعوا أوردة العدل
ونصبوا ( سيركاً ) للطغيان
في هذا الزمن المجنون
إما أن تغدوا دجالاً
أوتصبح بئراً من أحزان
لا تفتح بابك للفئران

كي يبقى فيك الإنسان !


 

 

قصيده : عيناك أرض لا تخون

ومضيتُأبحثُ عن عيونِكِ
خلفَ قضبان الحياهْ
وتعربدُ الأحزان في صدري
ضياعاً لستُ أعرفُ منتهاه
وتذوبُ في ليل العواصفِ مهجتي
ويظل ما عندي
سجيناً في الشفاه
والأرضُ تخنقُ صوتَ أقدامي
فيصرخُ جُرحُها تحت الرمالْ
وجدائل الأحلام تزحف
خلف موج الليل
بحاراً تصارعه الجبال
والشوق لؤلؤةٌ تعانق صمتَ أيامي
ويسقط ضوؤها
خلف الظلالْ
عيناك بحر النورِ
يحملني إلى
زمنٍ نقي القلبِ ..
مجنون الخيال
عيناك إبحارٌ
وعودةُ غائبٍ
عيناك توبةُ عابدٍ
وقفتْ تصارعُ وحدها
شبح الضلال
مازال في قلبي سؤالْ ..
كيف انتهتْ أحلامنا ؟
مازلتُ أبحثُ عن عيونك
علَّني ألقاك فيها بالجواب
مازلتُ رغم اليأسِ
أعرفها وتعرفني
ونحمل في جوانحنا عتابْ
لو خانت الدنيا
وخان الناسُ
وابتعد الصحابْ
عيناك أرضٌ لا تخونْ
عيناك إيمانٌ وشكٌ حائرٌ
عيناك نهر من جنونْ
عيناك أزمانٌ ومرٌ
ليسَ مثل الناسِ
شيئاً من سرابْ
عيناك آلهةٌ وعشاقٌ
وصبرٌ واغتراب
عيناك بيتي
عندما ضاقت بنا الدنيا
وضاق بنا العذاب
***
ما زلتُ أبحثُ عن عيونك
بيننا أملٌ وليدْ
أنا شاطئٌ
ألقتْ عليه جراحها
أنا زورقُ الحلم البعيدْ
أنا ليلةٌ
حار الزمانُ بسحرها
عمرُ الحياة يقاسُ
بالزمن السعيدْ
ولتسألي عينيك
أين بريقها ؟
ستقول في ألمٍ توارى
صار شيئاً من جليدْ ..
وأظلُ أبحثُ عن عيونك
خلف قضبان الحياهْ
ويظل في قلبي سؤالٌ حائرٌ
إن ثار في غضبٍ
تحاصرهُ الشفاهْ
كيف انتهت أحلامنا ؟
قد تخنق الأقدار يوماً حبنا
وتفرق الأيام قهراً شملنا
أو تعزف الأحزان لحناً
من بقايا … جرحنا
ويمر عامٌ .. ربما عامان
أزمان تسدُ طريقنا
ويظل في عينيك
موطننا القديمْ
نلقي عليه متاعب الأسفار
في زمنٍ عقيمْ
عيناك موطننا القديم
وإن غدت أيامنا
ليلاً يطاردُ في ضياءْ
سيظل في عينيك شيءٌ من رجاءْ
أن يرجع الإنسانٌ إنساناً
يُغطي العُرى
يغسل نفسه يوماً
ويرجع للنقاءْ
عيناك موطننا القديمُ
وإن غدونا كالضياعِ
بلا وطن
فيها عشقت العمر
أحزاناً وأفراحاً
ضياعاً أو سكنْ
عيناك في شعري خلودٌ
يعبرُ الآفاقَ … يعصفُ بالزمنْ
عيناك عندي بالزمانِ

وقد غدوتُ .. بلا زمنْ

 

 

https://i0.wp.com/oi54.tinypic.com/w2n0xg.jpg


نزار قباني : أحبك

قصيده : أُحبُّكِ..حتى ترتفعَ السماءُ قليلاً..

1

كي أستعيدَ عافيتي

وعافيةَ كلماتي.

وأخْرُجَ من حزام التلوُّثِ

الذي يلفُّ قلبي.

فالأرضُ بدونكِ

كِذْبَةٌ كبيرَهْ..

وتُفَّاحَةٌ فاسِدَةْ….

2

حتى أَدْخُلَ في دِينِ الياسمينْ

وأدافعَ عن حضارة الشِّعر…

وزُرقَةِ البَحرْ…

واخْضِرارِ الغاباتْ…

3

أريدُ أن أحِبَّكِ

حتى أطمئنَّ..

لا تزالُ بخيرْ..

لا تزالُ بخيرُ..

وأسماك الشِعْرِ التي تسْبَحُ في دَمي

لا تزالُ بخيرْ…

4

أريدُ أن أُحِبَّكِ..

حتى أتخلَّصَ من يَبَاسي..

ومُلُوحتي..

وتَكَلُّسِ أصابعي..

وفَرَاشاتي الملوَّنَةْ

وقُدرتي على البُكَاءْ…

5

أريدُ أن أُحبَّكِ

حتى أَسْتَرجِعَ تفاصيلَ بيتنا الدِمَشْقيّْ

غُرْفةً… غُرْفةْ…

بلاطةً… بلاطةْ..

حَمامةً.. حَمامَةْ..

وأتكلَّمَ مع خمسينَ صَفِيحَةِ فُلّْ

كما يستعرضُ الصائغُ

6

أريدُ أن أُحِبَّكِ، يا سيِّدتي

في زَمَنٍ..

أصبحَ فيه الحبُّ مُعاقاً..

واللّغَةُ معاقَةْ..

وكُتُبُ الشِعرِ، مُعاقَةْ..

فلا الأشجارُ قادرةٌ على الوقوف على قَدَميْهَا

ولا العصافيرُ قادرةٌ على استعمال أجْنِحَتِهَا.

ولا النجومُ قادرةٌ على التنقُّلْ….

أريدُ أن أُحبَّكِ..

من غُزْلان الحريَّةْ..

وآخِرُ رسالةٍ

من رسائل المُحِبّينْ

وتُشْنَقَ آخرُ قصيدةٍ

مكتوبةٍ باللغة العربيَّةْ…

8

أُريدُ أن أُحِبَّكِ..

قبل أن يصدرَ مرسومٌ فَاشِسْتيّْ

وأريدُ أن أتناوَلَ فنجاناً من القهوةِ معكِ..

وأريدُ أن أجلسَ معكِ.. لدَقيقَتينْ

قبل أن تسحبَ الشرطةُ السريّةُ من تحتنا الكراسي..

وأريدُ أن أعانقَكِ..

قبلَ أن يُلْقُوا القَبْضَ على فَمي.. وذراعيّْ

وأريدُ أن أبكيَ بين يَدَيْكِ

قَبْلَ أن يفرضُوا ضريبةً جمركيةً

على دُمُوعي…

أريدُ أن أُحِبَّكِ، يا سيِّدتي

وأُغَيِّرَ التقاويمْ

وأعيدَ تسميةَ الشهور والأيَّامْ

وأضبطَ ساعاتِ العالم..

على إيقاع خطواتِكْ

ورائحةِ عطرِك..

التي تدخُلُ إلى المقهى..

قبلَ دُخُولِكْ..

إني أُحبِّكِ ، يا سيدتي

دفاعاً عن حقِّ الفَرَسِ..

في أن تصهلَ كما تشاءْ..

وحقِّ المرأةِ.. في أن تختار فارسَها

كما تشاءْ..

وحق الشَجَرةِ في أن تغيّرَ أوراقها

وحقِّ الشعوب في أن تغيِّر حُكامَها

متى تشاءْ….

11

أريدُ أن أحبَّكِ..

حتى أُعيدَ إلى بيروتَ، رأسَها المقطوعْ

وإلى بَحْرِها، معطَفَهُ الأزرقْ

وإلى شعرائِها.. دفاترَهُمْ المُحْتَرقَةْ

أريدُ أن أُعيدَ

لتشايكوفسكي.. بَجَعتَهُ البيضاءْ

ولبول ايلوار.. مفاتيحَ باريسْ

ولفان كوخ.. زهرةَ (دوَّار الشمسْ)

ولأراغون.. (عيونَ إلْزَا)

ولقيسِ بنِ المُلوَّحْ..

أمشاطَ ليلى العامريَّهْ….

12

أريدُكِ ، أن تكوني حبيبتي

حتى تنتصرَ القصيدةْ…

على المسدَّسِ الكاتِمِ للصوتْ..

وينتصرَ التلاميذْ

وتنتصرَ الوردةْ..

وتنتصر المكتباتْ..

على مصانع الأسلحةْ…

13

أريدُ أن أحبَّكِ..

حتى أستعيد الأشياءَ التي تُشْبِهُنِي

والأشجارَ التي كانَتْ تتبعُني..

والقِططَ الشاميّةَ التي كانت تُخَرْمِشُني

والكتاباتِ .. التي كانَتْ تكتُبُني..

أريدُ.. أن أفتحَ كُلَّ الجواريرْ

التي كانتْ أمّي تُخبِّئُ فيها

خاتمَ زواجها..

ومسْبَحَتها الحجازيَّةْ..

بقيت تحتفظُ بها..

منذُ يوم ولادتي..

14

كلُّ شيءٍ يا سيِّدتي

دَخَلَ في (الكُومَا)

فالأقمارُ الصناعيّةْ

إنتصرتْ على قَمَر الشُعَرَاءْ

والحاسباتُ الالكترونيَّةْ

تفوَّقتْ على نشيد الإنشادْ..

وبابلو نيرودا…

أريدُ أن أُحبَّكِ، يا سيدتي..

قبل أن يُصْبحَ قلبي..

قِطْعَةَ غيارٍ تُباعُ في الصيدلياتْ

فأطِبَّاءُ القُلُوبِ في (كليفلاندْ)

يصنعونَ القلوبَ بالجُمْلَهْْ

كما تُصنعُ الأحذيَةْ….

16

السماءُ يا سيِّدتي، أصبحتْ واطِئَةْ..

والغيومُ العالية..

أصبحتْ تَتَسَكَّعُ على الأَسْْفَلتْ..

وجمهوريةُ أفلاطونْ.

وشريعةُ حَمُّورابي.

ووصايا الأنبياءْ.

صارت دون مستوى سَطْح البحرْ

ومشايخُ الطُرُقِ الصُوفِيَّة..

أن أُحِبَّكِ..

حتى ترتفعَ السماءُ قليلاً….

إنتصرتْ على قَمَر الشُعَرَاءْ

والحاسباتُ الالكترونيَّةْ

تفوَّقتْ على نشيد الإنشادْ..

وقصائدِ لوركا.. وماياكوفسكي..

وبابلو نيرودا…

15

أريدُ أن أُحبَّكِ، يا سيدتي..

قبل أن يُصْبحَ قلبي..

قِطْعَةَ غيارٍ تُباعُ في الصيدلياتْ

فأطِبَّاءُ القُلُوبِ في (كليفلاندْ)

يصنعونَ القلوبَ بالجُمْلَهْْ

كما تُصنعُ الأحذيَةْ….

16

السماءُ يا سيِّدتي، أصبحتْ واطِئَةْ..

والغيومُ العالية..

أصبحتْ تَتَسَكَّعُ على الأَسْْفَلتْ..

وجمهوريةُ أفلاطونْ.

وشريعةُ حَمُّورابي.

ووصايا الأنبياءْ.

وكلامُ الشعراء.

صارت دون مستوى سَطْح البحرْ

لذلكَ نَصَحني السَحَرةُ، والمُنجِّمونَ،

ومشايخُ الطُرُقِ الصُوفِيَّة..

أن أُحِبَّكِ..

حتى ترتفعَ السماءُ قليلاً….

قصيده : أحبكِ.. أحبكِ.. وهذا توقيعي

1

هل عندكِ شَكٌّ أنَّكِ أحلى امرأةٍ في الدُنيا؟.

وأَهَمَّ امرأةٍ في الدُنيا ؟.

هل عندكِ شكّ أنّي حين عثرتُ عليكِ . .

ملكتُ مفاتيحَ الدُنيا ؟.

هل عندكِ شكّ أنّي حين لَمَستُ يَدَيْكِ

تغيَّر تكوينُ الدنيا ؟

هل عندكِ شكّ أن دخولَكِ في قلبي

هو أعظمُ يومٍ في التاريخ . .

وأجمل خَبَرٍ في الدُنيا ؟

2

هل عندكِ شكٌّ في مَنْ أنتْ ؟

يا مَنْ تحتلُّ بعَيْنَيْها أجزاءَ الوقتْ

يا امرأةً تكسُر ، حين تمرُّ ، جدارَ الصوتْ

لا أدري ماذا يحدثُ لي ؟

فكأنَّكِ أُنثايَ الأُولى

وكأنّي قَبْلَكِ ما أحْبَبْتْ

وكأنّي ما مارستُ الحُبَّ . . ولا قبَّلتُ ولا قُبِّلتْ

ميلادي أنتِ .. وقَبْلَكِ لا أتذكّرُ أنّي كُنتْ

وغطائي أنتِ .. وقَبْلَ حنانكِ لا أتذكّرُ أنّي عِشْتْ . .

وكأنّي أيّتها الملِكَهْ . .

من بطنكِ كالعُصْفُور خَرَجتْ . .

3

هل عندكِ شكٌّ أنّكِ جزءٌ من ذاتي

وبأنّي من عَيْنَيْكِ سرقتُ النارَ. .

وقمتُ بأخطر ثَوْرَاتي

أيّتها الوردةُ .. والياقُوتَةُ .. والرَيْحَانةُ ..

والسلطانةُ ..

والشَعْبِيَّةُ ..

والشَرْعيَّةُ بين جميع الملِكَاتِ . .

يا سَمَكَاً يَسْبَحُ في ماءِ حياتي

يا قَمَراً يطلع كلَّ مساءٍ من نافذة الكلِمَاتِ . .

يا أعظمَ فَتْحٍ بين جميع فُتُوحاتي

يا آخرَ وطنٍ أُولَدُ فيهِ . .

وأُدْفَنُ فيه ..

وأنْشُرُ فيه كِتَابَاتي . .

4

يا امْرأَةَ الدَهْشةِ .. يا امرأتي

لا أدري كيف رماني الموجُ على قَدَميْكْ

لا ادري كيف مَشَيْتِ إليَّ . .

وكيف مَشَيْتُ إليكْ . .

يا مَنْ تتزاحمُ كلُّ طُيُور البحرِ . .

لكي تَسْتوطنَ في نَهْدَيْكْ . .

كم كان كبيراً حظّي حين عثرتُ عليكْ . .

يا امرأةً تدخُلُ في تركيب الشِعرْ . .

دافئةٌ أنتِ كرمل البحرْ . .

رائعةٌ أنتِ كليلة قَدْرْ . .

من يوم طرقتِ البابَ عليَّ .. ابتدأ العُمرْ . .

كم صار جميلاً شِعْري . .

حين تثقّفَ بين يديكْ ..

كم صرتُ غنيّاً .. وقويّاً . .

لمّا أهداكِ اللهُ إليَّ . .

هل عندكِ شكّ أنّكِ قَبَسٌ من عَيْنَيّْ

ويداكِ هما استمرارٌ ضوئيٌّ ليَدَيّْ . .

هل عندكِ شكٌّ . .

أنَّ كلامَكِ يخرجُ من شَفَتيّْ ؟

هل عندكِ شكٌّ . .

أنّي فيكِ . . وأنَّكِ فيَّ ؟؟

6

يا ناراً تجتاحُ كياني

يا ثَمَراً يملأ أغصاني

يا جَسَداً يقطعُ مثلَ السيفِ ،

ويضربُ مثلَ البركانِ

يا نهداً .. يعبقُ مثلَ حقول التَبْغِ

ويركُضُ نحوي كحصانِ . .

قولي لي :

كيف سأُنقذُ نفسي من أمواج الطُوفَانِ ..

قُولي لي :

ماذا أفعلُ فيكِ ؟ أنا في حالة إدْمَانِ . .

قولي لي ما الحلُّ ؟ فأشواقي

وصلَتْ لحدود الهَذَيَانِ .. .

7

يا ذاتَ الأَنْف الإغْريقيِّ ..

وذاتَ الشَعْر الإسْبَاني

يا امْرأَةً لا تتكرَّرُ في آلاف الأزمانِ ..

يا امرأةً ترقصُ حافيةَ القَدَمَيْنِ بمدْخَلِ شِرْياني

من أينَ أتَيْتِ ؟ وكيفَ أتَيْتِ ؟

وكيف عَصَفْتِ بوجداني ؟

يا إحدى نِعَمِ الله عليَّ ..

وغَيْمَةَ حُبٍّ وحَنَانٍ . .

يا أغلى لؤلؤةٍ بيدي . .

آهٍ .. كم ربّي أعطاني . .


Zorn Anders ( 1860-1920 ) & محمد الماغوط

جزر أمنية – محمد الماغوط

أظافري لا تخدش
أسناني لا تأكل
صوتي لا يسمع
دموعي لا تنهمر
أليست هذه بطالة مقنعة؟
***
الكل يقلع وأنا مازلت في المطار.
***
كل جراحي اعتراها القدم، وأصابها الإهمال
لم تعد دماؤها قانية
ولا آلامها مبرحة

ولا طعمها مستساغاً
ولا عمقها مقنعاً
الوحدة، الحرية، اليمين، اليسار، فلسطين، العراق، العرب،
العجم..
يجب إعادة جدولة همومي.
***
حافة القبعة تؤثر في رأس بوش الابن والأب والعم والخال
والخالة، أكثر مما تؤثر فيه كل المهرجانات والمسرحيات والمعلقات
العربية المعاصرة والجاهلية.
***
إنني أسمع بالعلق، ولكنني لم أره في حياتي!
من يمص دمي إذاً؟
***
لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضرورياً
فقد لا تؤاتيك الفرصة لتنتصب مرة أخرى
***
لماذا تنكيس الأعلام العربية فوق الدوائر الرسمية والسفارات
والقنصليات في الخارج، عند كل مصاب؟
إنها دائماً منكسة!
***
قد تحترق وتتصحر كل الغابات والأدغال في العالم إلا الغابات
والأدغال التي يعيش فيها المواطن العربي.
2
هل أبكي بدموع فوسفورية
حتى يعرف شعبي كم أتألم من أجله؟
***
خمسون عاماً وأنا أترنح
ولم أسقط حتى الآن
ولم يهزمني القدر
إلا بالنقاط والضربات الترجيحية!!
***
اتفقوا على توحيد الله، وتقسيم الأوطان.
***
كل السيول والفيضانات تبدأ بقطرات تتجمع من هنا وهناك إلا
عند العرب
يكون عندنا سيول وفيضانات
وتنتهي بقطرات تتفرق هنا وهناك.
***
أخي السائق:
لا تستعمل الزمور إلا في فترة الامتحانات،
أو التحضير لها.
***
الكل متفقون على بيع كل شيء
ولكنهم مختلفون على الأسعار!
ماذا أفعل بحصتي من فلسطين؟
هل أشتري بها شهادة استثمار؟.
***
عندما يتناول الصحافيون والإعلاميون العرب أي موضوع ولو
كان عن كسوف الشمس وخسوف القمر أو سقوط أحد المذنبات
المجهولة، لا بد وأن يتملقوا حكامهم، ويظهروا للقارئ أو للمستمع
دوراً لهم مهما كان صغيراً في هذه العجائب الكونية.
***
بعد اتكالنا على الغير في كل شيء سياسياً واقتصادياً وثقافياً
وحتى طائفياً قد يأتي يوم نعتمد فيه على غيرنا حتى في الإنجاب.
***
الصمود والتصدي:
صمود على الكراسي
والتصدي لكل من يقترب منها.
***
3
في الخمسينات والستينات كان السؤال الملح على الكاتب: ماذا
سيعطي لوطنه؟
أما السؤال الآن فهو: ماذا سيأخذ منه؟
***
حتى النسر يتثاءب في الفضاء
إذا كانت رحلته طويلة، والمناظر متشابهة من حوله.

 

سرير تحت المطر ـ شعر : محمد الماغوط

الحبُّ خطواتٌ حزينةٌ في القلب
والضجرُ خريفٌ بين النهدين
أيتها الطفلة التي تقرع أجراس الحبر في قلبي
من نافذة المقهى ألمح عينيك الجميلتين
من خلال النسيم البارد
أتحسَّسُ قبلاتكِ الأكثر صعوبةً من الصخر .
ظالمٌ أنت يا حبيبي
وعيناك سريران تحت المطر
ترفق بي أيها الالهُ الكستنائي الشعر
ضعني أغنيةً في قلبك
ونسراً حول نهديك

دعني أرى حبك الصغير
يصدحُ في الفراش
أنا الشريدُ ذو الأصابع المحرقه
والعيونُ الأكثر بلادة من المستنقع
لا تلمني إذا رأيتني صامتاً وحزيناً
فإنني أهواك أيها الصنمُ الصغير
أهوى شعرك ، وثيابك ، ورائحة زنديك الذهبيتين .
. . .
كن غاضباً أو سعيداً يا حبيبي
كن شهياً أو فاتراً ، فإنني أهواك .
يا صنوبرةً حزينة في دمي
من خلال عينيك السعيدتين
أرى قريتي ، وخطواتي الكئيبة بين الحقول
أرى سريري الفارغ
وشعري الأشقر متهدلاً على المنضده
كن شفوقاً بي أيها الملاك الوردي الصغير
سأرحلُ بعد قليل ، وحيداً ضائعاً
وخطواتي الكئيبه
تلتفت نحو السماء وتبكي .

وداع الموج ـ شعر : محمد الماغوط

في المرافئ المزدحمة ، يلهثُ الموج
في قعر السفينة يتوهجُ الخمر
وتُضاء النوافذ ،
والزبد الحريري يرنو إلى الأقدام المتعبه
ويتناثر على الحقائب الجميله
هنا بيتي ، وهناك سروتي وطفلي .
ابتعدي أيتها السفنُ الهرمه ،
يا قبوراً من الأجاص والبغايا
عودي إلى الصحراء المموجه
والقصور التي تفتح شبابيكها للسياط

إنني أتقدم في ضجة الميناء
أبحث عن محرمة زرقاء وامرأةٍ مهجورة
أرسل نحيبي الصامت
نحو الشارع القديم ، والحديقة المتشابكه
يدي تلوح للنهدين المتألقين تحت الأشجار
للأشعار الميتة في فمي .
. . .
سأبكي بحرارة
يا بيتي الجميل البارد
سأرنو إلى السقف والبحيرة والسرير
وأتلمس الخزانة والمرآة
والثياب البارده
سأرتجفُ وحيداً عند الغروب
والموتُ يحملني في عيونه الصافيه
ويقذفني كاللفافة فوق البحر .

القتل ـ شعر : محمد الماغوط

ضع قدمك الحجريةَ على قلبي يا سيدي
الجريمةُ تضرب باب القفص
والخوفُ يصدحُ كالكروان
ها هي عربةُ الطاغية تدفعها الرياح
وها نحن نتقدم
كالسيف الذي يخترقُ الجمجمه .
. . .
أيها الجرادُ المتناسلُ على رخام القصور والكنائس
أيتها السهولُ المنحدرة كمؤخرة الفرس
المأساةُ تنحني كالراهبه
والصولجان المذهَّبُ ينكسر بين الأفخاذ .

كانوا يكدحون طيلة الليل
المومساتُ وذوو الأحذية المدبَّبه
يعطرون شعورهم
ينتظرون القطار العائد من الحرب .
قطار هائل وطويل
كنهر من الزنوج
يئن في أحشاءِ الصقيع المتراكم
على جثث القياصرة والموسيقيين
ينقل في ذيله سوقاً كاملاً
من الوحل والثياب المهلهله
ذلك الوحل الذي يغمرُ الزنزانات
والمساجد الكئيبة في الشمال
الطائرُ الذي يغني يُزجُّ في المطابخ
الساقيةُ التي تضحك بغزاره
يُربَّى فيها الدود
تتكاثرُ فيها الجراثيم
كان الدودُ يغمر المستنقعات والمدارس
خيطان رفيعة من التراب والدم
وتتسلَّق منصّاتِ العبودية المستديره
تأكل الشاي وربطات العنق ، وحديد المزاليج
من كل مكان ، الدود ينهمرُ ويتلوى كالعجين ،
القمحُ ميت بين الجبال
وفي التوابيت المستعمله كثيراً
في المواخير وساحات الإعدام
يعبئون شحنه من الأظافر المضيئه إلى الشرق
وفي السهول التي تنبع بالحنطة والديدان …
حيث الموتى يلقون على المزابل
كانت عجلاتُ القطار أكثر حنيناً إلى الشرق ،
يلهث ويدوي ذلك العريسُ المتقدم في السن
ويخيط بذيله كالتمساح على وجه آسيا .
كانوا يعدّون لها منديلاً قانياً
في أماكنِ التعذيب
ومروحةً سميكةً من قشور اللحم في سيبريا ،
كثير من الشعراء
يشتهون الحبر في سيبريا .
. . .
البندقيةُ سريعةٌ كالجفن
والزناد الوحشي هاديءٌ أمام العينين الخضراوين
ها نحن نندفع كالذباب المسنّن
نلوِّحُ بمعاطفنا وأقدامنا
حيث المدخنةُ تتوارى في الهجير
وأسنان القطار محطّمة في الخلاء الموحش
الطفلةُ الجميلةُ تبتهل
والأسيرُ مطاردٌ على الصخر .
أنامُ وعلى وسادتي وردتان من الحبر
الخريفُ يتدحرج كالقارب الذهبي
والساعات المرعبه تلتهبُ بين العظام
يدي مغلقة على الدم
وطبقةٌ كثيفة من النواح الكئيب
تهدر بين الأجساد المتلاصقة كالرمل
مستاءةً من النداء المتعفّن في شفاه غليظه
تثير الغثيان
حيث تصطكُّ العيونُ والأرجل
وأنين متواصل في مجاري المياه
شفاه غليظة ورجال قساة
انحدروا من أكماتِ العنف والحرمان
ليلعقوا ماء الحياة عن وجوهنا
كنا رجالاً بلا شرفٍ ولا مال
وقطعاناً بربرية تثغو مكرهة عبر المآسي
هكذا تحكي الشفاه الغليظةُ يا ليلى
أنت لا تعرفينها
ولم تشمي رائحتها القويةَ السافله
سأحدثك عنها ببساطة وصدق وارتياح
ولكن
ألاَّ تكوني خائنة يا عطورَ قلبي المسكين
فالحبر يلتهب والوصمةُ ترفرف على الجلد .
. . .
غرفتي مطفأةٌ بين الجبال
القطيع يرفع قوائمه الحافيه
والأوراق المبعثرة تنتظر عندليبها
وندلفُ وراء بعضنا إلى المغسله
كجذوع الأشجار يجب أن نكون
جواميس تتأملُ أظلافها حتى يفرقع السوط
نمشي ونحن نيام
غفاة على البلاط المكسو بالبصاق والمحارم
نرقد على بطوننا المضروبة بأسلاك الحديد
ونشرب الشاي القاحلَ في هدوءٍ لعين
وتمضي ذبابة الوجود الشقراء
تخفقُ على طرف الحنجره
كنا كنزاً عظيماً
ومناهلَ سخيه بالدهن والبغضاء
نتشاجرُ في المراحيض
ونتعانق كالعشاق .
. . .
اعطني فمك الصغير يا ليلى
اعطني الحلمةَ والمدية اننا نجثو
نتحدثُ عن أشياء تافهه
وأخرى عظيمة كالسلاسل التي تصرُّ وراء الأبواب
موصدة .. موصدة هذه الأبواب الخضراء
المنتعشة بالقذاره
مكروهة صلده
من غماماتِ الشوق الناحبة أمامها
نتثاءبُ ونتقيأُ وننظر كالدجاجِ إلى الأفق
لقد مات الحنان
وذابت الشفقة من بؤبؤ الوحشِ الانساني
القابعِ وراء الزريبه
يأكل ويأكل
وعلى الشفة السفلى المتدلية آثار مأساة تلوح
أمي وأبي والبكاء الخانق
آه ما أتعسني إلى الجحيم أيها الوطن الساكن في قلبي
منذ اجيال لم أرَ زهره .
. . .
الليالي طويله والشتاءُ كالجمر
يومٌ واحد
وهزيمةٌ واحدة للشعب الأصفر الهزيل
انني ألمس لحيتي المدبَّبه
أحلم براحة الأرض وسطوح المنازل
بفتاةٍ مراهقةٍ ألعقها بلساني
السماء زرقاء
واليد البرونزيةُ تلمس صفحة القلب
الشفاهُ الغليظةُ تفرز الأسماء الدمويه
وأنا مستلقٍ على قفاي
لا أحدَ يزورني أثرثرُ كالأرمله
عن الحرب ، والأفلام الخليعة ، ونكران الذات
والخفير المطهَّم ، يتأمل قدميَ الحافيتين
وقفتُ وراء الأسوار يا ليلى
أتصاعد وأرتمي كأنني أجلس على نابض
وقلبي مفعمٌ بالضباب
ورائحة الأطفال الموتى
إن أعلامنا ما زالت تحترقُ في الشوارع
متهدلة في الساحات الضاربة إلى الحمره
كنت أتساقط وأحلم بعينيك الجميلتين
بقمصانك الورديه
والهجير الضائع في قبلاتكِ الأخيره
مرحباً بكِ ، بفمك الغامقِ كالجرح
بالشامة الحزينة على فتحةِ الصدر
أنا عبدٌ لك يا حبيبه
ترى كيف يبدو المطر في الحدائق ؟
ابتعدي كالنسيم يا ليلى
يجب ألا تلتقي العيون
هرم الانحطاطِ نحن نرفعه
نحن نشكُّ راية الظلم في حلقاتِ السلاسل
بالله لا تعودي
شيءٌ يمزقني أن أراهم يلمسونك بغلظه
أن يشتهوك يا ليلى
سألكمُ الحديد والجباه الدنيئه
سأصرخُ كالطفل وأصيح كالبغي
عيناكِ لي منذ الطفولة تأسرانني حتى الموت .
. . .
انطفأَ الحلم ، والصقرُ مطاردٌ في غابته
لا شيء يذكر
إننا نبتسمُ وأهدابنا قاتمةٌ كالفحم
هجعت أبكي أتوسَّل للأرض الميتة بخشوع
أوّاه لِم زرتني يا ليلى ؟
وأنت أشدُّ فتنةً من نجمة الشمال
وأحلى رواءً من عناقيد العسل
لا تكتبي شيئاً سأموتُ بعد أيام
القلبُ يخفق كالمحرمه
ولا تزال الشمس تشرق ، هكذا نتخيل
إننا لا نراها
على حافة الباب الخارجي
ساقيةٌ من العشب الصغير الأخضر
تستحمُّ في الضوء
وثمة أحذية براقة تنتقل على رؤوس الأزهار
كانت لامعة وتحمل معها رائحة الشارع ، ودور السينما
كانت تدوس بحريه
ووراء الباب الثالث
يقومُ جدارٌ من الوهم والدموع
جدار تنزلق من خلاله رائحة الشرق
الشرق الذليل الضاوي في المستنقعات
آه ، إنَّ رائحتنا كريهه
إننا من الشرق
من لك الفؤاد الضعيف البارد
إننا في قيلولةٍ مفزعةٍ يا ليلى
لقد كرهتُ العالم دفعة واحده
هذا النسيجَ الحشريَ الفتاك
وأنا أسير أمام الرؤوس المطرقة منذ شهور
والعيون المبلَّلة منذ بدء التاريخ
ماذا تثير بي ؟ لا شيء
إنني رجلٌ من الصفيح
أغنية ثقيلة حادة كالمياه الدفقه
كالصهيل المتمرد على الهضبه .
هضبة صفراء ميتة تشرق بالألم والفولاذ
فيها أكثرُ من ألف خفقة جنونية
تنتحبُ على العتبات والنوافذ
تلتصقُ بأجنحة العصافير
لتنقل صرخةَ الأسرى وهياج الماشيه
من نافذة قصرك المهدمة ، ترينها يا ليلى
مرعبة ، سوداء في منتصف الليل
ومئات الأحضان المهجورة تدعو لفنائها
وسقوطِ هامتها
وردمها بالقشِّ والتراب والمكانس
حتى لو قدِّر للدموع الحبيسة بين الصحراء والبحر
أن تهدرَ أن تمشي على الحصى
لازالتها تلك الحشرةُ الزاحفةُ إلى القلب
بالظلم والنعاس يتلاشى كل أثر
بالأنفاس الكريهه
والأجساد المنطوية كالحلزونات
بقوى الأوباش النائمة بين المراحيض
سنبني جنينة للأطفال
وبيوتاً نظيفه ، للمتسكعين وماسحي الأحذيه .
. . .
أتى الليل في منتصف أيار
كطعنةٍ فجائية في القلب
لم نتحركْ
شفاهنا مطبقةٌ على لحن الرجولة المتقهقر
في المقصورات الداخلية ثمة عويل يختنق
ثمة بساطة مضحكة في قبضة السوط
الأنوارُ مطفأة .. لماذا ؟
القمرُ يذهب إلى حجرته
وشقائق النعمان تحترق على الاسفلت
قشٌّ يلتهبُ في الممرات
وصريرُ الحطب يئنُّ في زوايا خفيه
آلاف العيون الصفراء
تفتِّشُ بين الساعات المرعبة العاقة
عن عاهرةٍ ، اسمها الانسانية
والرؤوس البيضاء ، مليئة بالأخاديد
يا رب تشرق الشمس ، يا إلهي يطلع النجم
دعه يغني لنا إننا تعساء
عذبْنا ما استطعت
القملُ في حواجبنا
وأنت يا ليلى لا تنظري في المرآة كثيراً
أعرفك شهيةً وناضجه
كوني عاقلة وإلا قتلتك يا حبيبه .
. . .
لتشرق الشمس
لتسطع في إلية العملاق
الحدأة فوق الجبل
الغربةُ جميلةٌ ، والرياحُ الزرقاء على الوساده
كانت لها رائحة خاصه
وطعم جيفيّ حار ، دعه
ملايين الابر تسبح في اللحم .
. . .
أين كنتَ يوم الحادثه ؟
كنت ألاحقُ امرأةً في الطريق يا سيدي
طويلةً سمراء وذات عجيزة مدملجه
إنني الوحيد الذي يمرُّ في الشارع دون أن يحييه أحد
دعني لا أعرف شيئاً
اطلقْ سراحي يا سيدي أبي مات من يومين
ذاكرتي ضعيفه ، وأعصابي كالمسامير .
. . .
أنا مغرمٌ بالكسل
بعدة نساءٍ على فراشٍ واحد
الجريمة تعدو كالمهر البري
وأنا مازلت ألعقُ الدم المتجمدَ على الشفة العليا
مالحاً كان ، من عيوني يسيل
من عيون أمي يسيل
سطّحوه على الأرض
الأشرعة تتساقط كالبلح
لقد فات الأوان
إنني على الأرض منذ أجيال
أتسكع بين الوحوش والأسنان المحطمه
أضربه على صدره إنه كالثور
سفلَه ، دعني آكل من لحمه
بشدةٍ كان الألم يتجه في ذراعي
بشدة ، بشدة ، نحن عبيد يا ليلى
كنت في تلك اللحظه
أذوق طعم الضجيج الانساني في أقسى مراحله
مئات السياط والأقدام اليابسه
انهمرتْ على جسدي اللاهث
وذراعي الممددة كالحبل
كنت لا أميّزُ أيَّ وجهٍ من تلك الوجوه
التي نصادفها في السوق والباصات والمظاهرات
وجوهٌ متعطشةٌ نشوى
على الصدر والقلب كان غزالُ الرعب يمشي
بحيرة التماسيح التي تمرُّ بمرحلة مجاعه
مجاعة تزدردُ حتى الفضيله
والشعورَ الالهي المسوَّس
لقد فقدنا حاسة الشرف
أمام الأقدام العاريةِ والثياب الممزقه
أمام السياط التي ترضعُ من لحم طفلةٍ بعمر الورد
تجلد عاريةً أمام سيدي القاضي
وعدة رجال ترشحُ من عيونهم نتانةُ الشبق
والهياجُ الجنسي
وجوه طويلة كقضبان الحديد
تركتني وحيداً في غرفة مقفلةٍ ، أمضغ دمي
وأبحث عن حقد عميق للذكرى .
النجيع ينشدُّ على طرف اللسان
والغرابُ ينهض إلى عشّه
الألمُ يتجول في شتى الأنحاء
والمغيص يرتفع كالموج حتى الهضبه
كادت تنسحب من هذا النضال الوحشي
من هذا المغيص المروع
رأسي على حافة النافوره
وماؤها الفضي يسيلُ حزينا على الجوانب
من وراء المياه والمرمر
يلوحُ شعرُ قاسيون المتطاير مع الريح
وغمامةٌ من المقاهي
والحانات المغرورقة بالسكارى
تلوح بنعومة ورفقٍ عبر السهول المطأطئة الجباه
لم يعد يورقُ الزيتون
ولم تدرْ المعاصر ، كلهم أذلاء
وأضلاعي تلتهبُ قرب البحيره
إنها تسقي الزهور ، أنا عطشان يا سيدي
في أحشاء الصحراء
أنقذني يا قمر أيار الحزين .
. . .
استيقظي أيتها المدينة المنخفضه
فتيانك مرضى ،
نساؤك يجهضن على الأرصفه
النهد نافر كالسكين
أعطني فمك ، أيتها المتبرجةُ التي تلبس خوذه
. . .
بردى الذي ينساب كسهلٍ من الزنبق البلوري
لم يعد يضحك كما كان
لم أعد أسمع بائع الصحف الشاب
ينادي عند مواقف الباصات
الحرية منقوشةٌ على الظهر
واللجام مليءٌ بالحموضه .
ضعْ قدمك الحجريةَ على قلبي يا سيدي
الريحُ تصفر على جليد المعسكرات
وثمة رجل هزيل ، يرفع ياقته
يشرب القهوه
ويبكي كإمرأةٍ فقدت رضيعها
دعْ الهواء الغريب
يكنس أقواسَ النصر ، وشالات الشيوخ والراقصات
إنهم موتى
حاجز من الأرق والأحضان المهجوره
ينبت أمام الخرائب والثياب الحمراء
وفاه ذئابٍ القرون العائدة بلا شاراتٍ ولا أوسمه
تشقَّ طريقها على الرمال البهيجة الحاره
لا شيء يُذكر الأرض حمراء
والعصافير تكسر مناقيرها على رخام القصر .
وداعا ، وداعاً اخوتي الصغار
أنا راحلٌ وقلبي راجعٌ مع دخان القطار .

كرسي الاعتراف – محمد الماغوط

والريح تعصف والثلج يتساقط من حولي
جلست في كوخي الشعري المتواضع
ودفنت كستنائي العاطفية والجسدية والتاريخية
ورحت أنتظر
***
يا رب…
ساعدني على قول الحق
ومواجهة الواقع
وتحمّل العطش
والجوع
والحرمان
وألا أردّ سائلاً
أو أنهر يتيماً
أو استرداد نفقات الأمل على الأمل.
2
يد واحدة لا تصفق
إلى الجحيم
ألم تشبعوا تصفيقاً بعد؟
*
ترميم زهرة
أو اقتحام قاعة
كله سيّان
*
أسناني بصلابة منجلي
وألتحف حقولي وسنابلي
وأنام على الطوى…
*
دموعي بعدد أخطائي
وأخطائي بعدد التزاماتي
*
وشجاعتي بعدد أسلحتي
وتردّدي بعدد جبهاتي
*
وساعات نومي بعدد كوابيسي
وكوابيسي بعدد وسائدي واتساع بلادي
وبلادي باتساع أرصفتي ودفاتري.

الليل والأزهار ـ شعر : محمد الماغوط

كان بيتنا غاية في الاصفرار
يموتُ فيه المساء
ينام على أنين القطارات البعيده
وفي وسطه
تنوح أشجارُ الرمَّان المظلمةُ العاريه
تتكسَّر ولا تنتج أزهاراً في الربيع
حتى العصافير الحنونه
لا تغرد على شبابيكنا
ولا تقفز في باحة الدار .
وكنت أحبكِ يا ليلى
أكثر من الله والشوارع الطويله

وأتمنى أن أغمسَ شفتيك بالنبيذ
وألتهمك كتفاحةٍ حمراء على منضده .
. . .
ولكنني لا أستطيع أن أتنهَّدَ بحريه
أن أرفرفَ بك فوق الظلام والحرير
إنهم يكرهونني يا حبيبه
ويتسربون إلى قلبي كالأظافر
عندما أريد أن أسهرَ مع قصائدي في الحانه
يريدونني أن أشهر الكلمه
أمام الليل والجباه السوداء
أن أجلد حروفي بالقملِ والغبار والجرحى
إنني لا أستطيعُ يا حبيبه
وفؤادي ينبضُ بالعيون الشهل
وبالسهرات الطويلة قرب البحر
أن أبني لهم إمبراطورية ترشحُ بالسعالِ والمشانق
أنا طائرٌ من الريف
الكلمة عندي أوزةٌ بيضاء
والأغنيةٌ بستانٌ من الفستق الأخضر

حريق الكلمات ـ شعر : محمد الماغوط

سئمتك أيها الشعر ، أيها الجيفةُ الخالده
لبنان يحترق
يثب كفرس جريحة عند مدخلِ الصحراء
وأنا أبحثُ عن فتاة سمينه
أحتكُّ بها في الحافله
عن رجلٍ عربي الملامح ، أصرعه في مكانٍ ما .
بلادي تنهار
ترتجفُ عاريةً كأنثى الشبل
وأنا أبحث عن ركنٍ منعزل
وقرويةٍ يائسة ، أغرّر بها .
يا ربة الشعر

أيتها الداخلةُ إلى قلبي كطعنة السكين
عندما أفكر ، بأنني أتغزَّل بفتاة مجهوله
ببلادٍ خرساء
تأكلُ وتضاجعُ من أذنيها
أستطيع أن أضحك ، حتى يسيل الدم من شفتيَّ
أنا الزهرة المحاربه ،
والنسرُ الذي يضرب فريسته بلا شفقه .
. . .
أيها العرب ، يا جبالاً من الطحين واللذَّه
يا حقول الرصاص الأعمى
تريدون قصيدةً عن فلسطين ،
عن الفتحِ والدماء ؟
أنا رجلٌ غريبٌ لي نهدان من المطر
وفي عينيَّ البليدتين
أربعةُ شعوبٍ جريحة ، تبحث عن موتاها .
كنت جائعاً
وأسمع موسيقى حزينه
وأتقلب في فراشي كدودة القز
عندما اندلعتْ الشرارة الأولى .
. . .
أيتها الصحراء … إنك تكذبين
لمن هذه القبضةُ الأرجوانيه
والزهرةُ المضمومةُ تحت الجسر ،
لمن هذه القبورُ المنكّسة تحت النجوم
هذه الرمالُ التي تعطينا
في كل عام سجناً أو قصيده ؟
عاد البارحةَ ذلك البطل الرقيق الشفتين
ترافقه الريحُ والمدافع الحزينه
ومهمازه الطويل ، يلمع كخنجرين عاريين
أعطوه شيخاً أو ساقطه
أعطوه هذه النجوم والرمال اليهوديه .
. . .
هنا ..
في منتصف الجبين
حيث مئاتُ الكلمات تحتضر
أريد رصاصةَ الخلاص
يا إخوتي
لقد نسيت حتى ملامحكم
أيتها العيونُ المثيرة للشهوة
أيها الله …
أربع قاراتٍ جريحة بين نهديّ
كنت أفكر بأنني سأكتسح العالم
بعيني الزرقاوين ، ونظراتي الشاعره .
. . .
لبنان .. يا امرأةً بيضاء تحت المياه
يا جبالاً من النهود والأظافر
إصرخْ أيها الأبكم
وارفعْ ذراعك عالياً
حتى ينفجر الابط ، واتبعني
أنا السفينةُ الفارغه
والريحُ المسقوفة بالأجراس
على وجوه الأمهات والسبايا
على رفات القوافي والأوزان
سأطلق نوافير العسل
سأكتب عن شجرةٍ أو حذاء
عن وردة أو غلام
ارحلْ أيها الشقاء
أيها الطفلُ الأحدبُ الجميل
أصابعي طويلة كالإبر
وعيناي فارسان جريحان
لا أشعارَ بعد اليوم
إذا صرعوك يا لبنان
وانتهت ليالي الشعر والتسكع
سأطلقُ الرصاص على حنجرتي .

جناح الكآبة ـ شعر : محمد الماغوط

مخذولٌ أنا لا أهل ولا حبيبه
أتسكعُ كالضباب المتلاشي
كمدينةٍ تحترقُ في الليل
والحنين يلسع منكبيّ الهزيلين
كالرياح الجميله ، والغبار الأعمى
فالطريقُ طويله
والغابةُ تبتعدُ كالرمح .
. . .
مدّي ذراعيك يا أمي
أيتها العجوزُ البعيدةُ ذات القميص الرمادي
دعيني ألمس حزامك المصدَّف
وأنشج بين الثديين العجوزين
لألمس طفولتي وكآبتي .
الدمعُ يتساقط
وفؤادي يختنق كأجراسٍ من الدم .
فالطفولة تتبعني كالشبح
كالساقطة المحلولة الغدائر .

غوطالرجل الميت ـ شعر : محمد الماغوط

أيتها الجسورُ المحطّمة في قلبي
أيتها الوحولُ الصافيةُ كعيون الأطفال
كنا ثلاثه
نخترق المدينةَ كالسرطان
نجلسُ بين الحقول ، ونسعلُ أمام البواخر
لا وطنَ لنا ولا سياط
نبحثُ عن جريمةٍ وامرأة تحت نور النجوم
وأقدامُنا تخبُّ في الرمال
تفتحُ مجاريرَ من الدم
نحن الشبيبة الساقطه
والرماح المكسورة خارج الوطن
من يعطينا شعبا أبكماً نضربه على قفاه كالبهائم ؟
لنسمعَ تمزُّق القمصان الجميله
وسقسقةَ الهشيم فوق البحر
لنسمعَ هذا الدويّ الهائل
لستةِ أقدام جريحة على الرصيف
حيث مئةُ عام تربضُ على شواربنا المدمَّاة
مئة عام والمطر الحزين يحشرجُ بين أقدامنا .
. . .
بلا سيوفٍ ولا أمهات
وقفنا تحت نور الكهرباء
نتثاءبُ ونبكي
ونقذف لفائفنا الطويلةَ باتجاه النجوم
نتحدثُ عن الحزن والشهوه
وخطواتِ الأسرى في عنقِ فيروز
وغيوم الوطن الجاحظه
تلتفتُ إلينا من الأعالي وتمضي ..
يا ربّ
أيها القمرُ المنهوك القوى
أيها الإلهُ المسافرُ كنهدٍ قديم
يقولون أنك في كل مكان
على عتبة المبغى ، وفي صراخِ الخيول
بين الأنهار الجميله
وتحت ورقِ الصفصاف الحزين
كن معنا في هذه العيون المهشمه
والأصابع الجرباء
أعطنا امرأه شهيه في ضوء القمر
لنبكي
لنسمعَ رحيل الأظافر وأنين الجبال
لنسمعَ صليل البنادق من ثدي امرأة .
ما من أمةٍ في التاريخ
لها هذه العجيزةُ الضاحكه
والعيونُ المليئةُ بالأجراس .
. . .
لعشرين ساقطة سمراء ، نحملُ القمصان واللفائف
نطلّ من فرجات الأبواب
ونرسل عيوننا الدامعة نحو موائد القتلى
لعشرين غرفة مضاءةٍ بين التلال
نتكىءُ على المدافع
ونضع ذقوننا اللامعة فوق الغيوم .
ابتسمْ أيها الرجلُ الميت
أيها الغرابُ الأخضرُ العينين
بلادُك الجميلةُ ترحل
مجدك الكاذبُ ينطفئُ كنيران التبن
فتح ساقيك الجميلتي .. لنمضي ..
لنسرع إلى قبورنا وأطفالنا
المجدُ كلماتٌ من الوحل
والخبزُ طفلةٌ عاريةٌ بين الرياح .
. . .
يا قلبي الجريح الخائن
أنا مزمارُ الشتاء البارد
ووردةُ العار الكبيره
تحت ورق السنديان الحزين
وقفتُ أدخن في الظلام
وفي أظافري تبكي نواقيس الغبار
كنت أتدفقُ وأتلوى
كحبلٍ من الثريات المضيئة الجائعه
وأنا أسير وحيداً باتجاه البحر
ذلك الطفل الأزرق الجبان
مستعداً لارتكاب جريمة قتل
كي أرى أهلي جميعاً وأتحسسهم بيدي
أن أتسكعَ ليلةً واحده
في شوارعِ دمشق الحبيبه .
. . .
يا قلبي الجريح الخائن
في أظافري تبكي نواقيسُ الغبار .
هنا أريد أن أضعَ بندقيتي وحذائي
هنا أريد أن أحرقَ هشيم الحبر والضحكات
أوربا القانية تنزفُ دماً على سريري
تهرولُ في أحشائي كنسرٍ من الصقيع
لن نرى شوارع الوطن بعد اليوم
البواخرُ التي أحبها تبصقُ دماً وحضارات
البواخر التي أحبها تجذبُ سلاسلها وتمضي
كلبوةٍ تجلد في ضوء القمر
يا قلبي الجريح الخائن
ليس لنا إلا الخبز والأشعار والليل
وأنت يا آسيا الجريحه
أيتها الوردةُ اليابسةُ في قلبي
الخبز وحده يكفي
القمح الذهبيُّ التائهُ يملأُ ثدييك رصاصاً وخمرا

Previous Older Entries Next Newer Entries