من أشعار نجيب سرور2

الحذاء ـ شعر : نجيب سرور

أنـا ابن الشـــقاء
ربيب (الزريبــة و المصطبــة)
وفى قـريتى كلهم أشـــقياء
وفى قـريتى (عمدة) كالاله
يحيط بأعناقنــا كالقــدر
بأرزاقنـــا
بما تحتنــا من حقول حبــالي
يـلدن الحيــاة
وذاك المســاء
أتانـا الخفيـر و نـادى أبي
بأمر الالـه ! .. ولبى أبي
وأبهجانى أن يقــال الالـه
تنـازل حتى ليدعـو أبى !
تبعت خطــاه بخطو الأوز
فخورا أتيــه من الكبريــاء
أليس كليم الالــه أبي
كموسى .. وان لم يجئـه الخفــير
وان لم يكن مثــله بالنبي
وما الفرق ؟ .. لا فرق عند الصبى !
وبينــا أسير وألقى الصغار أقول ” اسمعو ا ..
أبى يا عيــال دعــاه الالــه ” !
وتنطـق أعينهم بالحســد
وقصر هنــالك فوق العيون ذهبنـا اليه
– يقولون .. فى مأتم شــيدوه
و من دم آبائنا والجدود وأشــلائهم
فموت يطــوف بـكل الرءوس
وذعر يخيم فــوق المقــل
وخيــل تدوس على الزاحفــين
وتزرع أرجلهــا فى الجثت
وجداتنــا فى ليـالى الشــتاء
تحدثننا عن ســنين عجــاف
عن اللآكلين لحـوم الكلاب
ولحم الحمير .. ولحم القطط
عن الوائـــدين هناك العيــال
من اليــأس .. و الكفر والمســغية
” ويوسف أين ؟ ” .. ومات الرجاء
وضــل الدعــاء طريق الســماء
و قــام هنــالك قصر الالــه
يــكاد ينــام على قـريتي
– ويــكتم كالطود أنفاســها
ذهبنــا اليــه
فلما وصــلنا .. أردت الدخول
فمد الخفــير يدا من حـديد
وألصقنى عند باب الرواق
وقفت أزف أبى بالنظــر
فألقـى الســـلام
ولم يأخذ الجالسـون الســلام ! !
رأيت .. أأنسى ؟
رأيت الاله يقوم فيخلع ذاك الحـذاء
وينهــال كالســيل فوق أبى ! !
أهـــذا .. أبى ؟
وكم كنت أختــال بين الصغــار
بأن أبى فــارع ” كالملك ” !
أيغدو ليعنى بهــذا القصر ؟ !
وكم كنت أخشــاه فى حبيـه
وأخشى اذا قـام أن أقعـدا
وأخشى اذا نـام أن أهمســا
وأمى تصب على قدميــه بابريقهــا
وتمســح رجليــه عند المســاء
وتلثم كفيــه من حبهــا
وتنفض نعليــه فى صمتهــا
وتخشى علــيه نســيم الربيــع !
أهـــذا .. أبى ؟
ونحن العيــال .. لنا عــادة ..
نقول اذا أعجزتنا الأمور ” أبى يستطيع ! ”
فيصعد للنخـلة العـاليـة
ويخـدش بالظفر وجــه السـما
ويغلب بالكف عزم الأســد
ويصنع ما شــاء من معجزات !
أهـــذا .. أبى
يســام كأن لم يكن بالرجــل
وعـدت أســير على أضــلعي
على أدمعى .. وأبث الجــدر
” لمـاذا .. لمـاذا ؟ ”
أهلت الســؤال على أميــه
وأمطرت فى حجرهــا دمعيــه
ولكنهــا اجهشــت باكـيه
” لمـاذا أبى ؟ ”
و كان أبى صــامتا فى ذهول
بعــلق عينيــه بالزاويـة
وجـدى الضــرير
قعيـد الحصــير
تحسسنى و تولى الجـواب :
” بنى .. كذا يفعل الأغنيــاء بكل القرى ” !
كــرهت الالــه ..
وأصبح كل اله لدى بغيض الصعر
تعلمت من بومهــا ثــورتي
ورحت أســير مع القـافلة
على دربهــا المدلهم الطــويل
لنلفـى الصــباح
لنلقـى الصــباح !

الشعر والعالم ـ شعر : نجيب سرور

سكتت حتى مسحت دمعا
كان ينام على التفاح
سألت فى صوت الكروان :
– ماذا تلهمك الدقات ؟
قلت وفى عينى طموح للأقمار :
– العالم فوق الشعراء
فليعل الشعر إلى العالم
أو فلنصمت !

أغنية للدقات ـ شعر : نجيب سرور

قالت وهى تغنى للدقات :
الدقة الأولى
” الساعة يولد انسان ”
الثانية
” ويموت الساعة انسان ”
الثالثة
” والعالم ليس بملآن ”
الرابعة
” بل ليس القبر بملآن ”
الخامسة
” مازال سؤالك يا هملت ”
السادسة
” أضحوكة ذاك الحفار ”
السابعة
” أوغلنا .. جبنا الأفلاك ”
الثامنة
” خضناها مثلك يا رع ”
التاسعة
” وصنعنا للرحلة قارب ”
العاشرة
” لنجب شراعك يا رع ”
الحادية عشر
” أيظل الإنسان يموت ”
الثانية عشر
” حتى فى عصر الأقمار ” ؟ !!

سر الكلمة ـ شعر : نجيب سرور

قبرتى .. لا يعلو شىء فوق الكلمة
كانت مذ كان الإنسان
كانت أول .. كانت أعظم ثورة !
كانت تعلو منذ البدء على الأسوار
تسخر من كل الحراس
تخرج مثل شعاع الفجر وهم نوام
خرجة ” بطرس ”
يوم أفاقوا حاروا ” أين الكلمة ” ؟
خرجت تأسو كل جراح الناس
أو ” كمحمد ” ..
ليلة شاءوا يا قبرتى قتله
ثم أفاقوا حاروا ” أين الكلمة ” ؟
خرجت تمشى بين الناس الدعوة
وكسقراط ..
شرب السم ولكن عاشت منه الكلمة
” اعرف نفسك ”
أو كيسوع ..
مات ولكن أسلم للأجيال الكلمة
” اللّه محبة ”
وكأخناتون
قد أكلته النار ولكن ..
عاشت رغم النار الكلمة ..
أبدا لم يحرقها الكهنة
ومشت بين الناس ” سلام يا آتون ! ”
هل يمنع سد هذى الموجة ..
من أن ترقص فوق الشط ؟ !
دوما سوف يزول السد
لترقص فوق الشط الكلمة
هذا يا قبرتى سر الكلمة ! !

لزوم ما يلزم : شعر : نجيب سرور

قد آن ياكيخوت للقلب الجريح
أن يستريح ،
فاحفر هنا قبراً ونم
وانقش على الصخر الأصم :
” يا نابشا قبرى حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام ،
لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام ،
هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام .
أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان
إن عد فرسان الزمان
لكن قلبى كان دوماً قلب فارس
كره المنافق والجبان
مقدار ما عشق الحقيقة .
قولوا ” لدولسين ” الجميلة (1) ..
” أَخْطَابَ (2) ” .. قريتى الحبيبة :
” هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة ..
لم يلق فى طول الطريق سوى اللصوص ،
حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص ..
فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص ! ” .
( 2 )
– ها أنت تقفز للنهاية ،
– هلا حكيت من البداية .
– ولمن أقول ؟ !
– هذى صفوف السنط والصبار تُنصت للحكاية :
– ألها عقول ؟
– ماذا يضيرك .. أَلْقِ ما فى القلب حتى للحجر ،
أو ليس أحفظُ للنقوش من البشر ؟ !
( 3 )
يا سيداتى يا أميراتى الحسان ..
أن لن أقول لكن ما أسْمى بين فرسان الزمان ،
ولتنطق الأفعال من قبل اللسان ..
… … … … … …
من أين أبدأ والظلام ،
يلتفت فى أقصى الوراء وفى الأمام !
عرجاء حتى الذاكرة ..
والذكريات !
يا سيداتى معذرة ..
أنا لا أجيد القول ، قد أُنْسِيتُ فى المنفى الكلام ،
وعرفتُ سرَّ الصمت .. كم ماتت على شفتى فى المنفى الحروف !
الصمت ليس هنيهةً قبل الكلام ،
الصمت ليس هنيهة بين الكلام ،
الصمت ليس هنيهة بعد الكلام ،
الصمت حرف لايُخَط ولا يقال ..
الصمت يعنى الصمت .. هل يغنى الجحيم سوى الجحيم ؟ !
عجباً .. أتضحك من كلامى السيدات .
” مم الضحك ؟ ! ”
( 4 )
– ” الماء قد فسرته بالماء بعد الجهد لاتيأس وحاول من جديد ..
كيخوت لاتصمت .. أليس الصمت – قلت – هو الجحيم !
– ” لا .. بل فقلن الصمت موت ، أو ليس الموت صمتْ ؟ !
الحرف مثل النبت .. هل يحيا بغير الأرض نبتْ ؟ !
ولكل نبت أرضه المعطاء ليس يعيش فى أرض سواها ..
الحرف يذبل يا أميراتى الحسان ..
ويموت لو ينفى ، وينسى لايمر على لسان !
حلفتكن بكل غال ،
هل ما تزال ..
فيكن واحدة تخمن من أنا ؟ ! ”
( 5 )
من أنت ؟ .. تطعنك العيون ،
وتظل تنزف ، والسنون ..
تمضى كأسراب السحاب ..
فى الصيف .. تبخل بالجواب ! .
من أنت .. ؟ .. لاتدرى .. وتدرى ما العذاب !
ما غربة الضفدع فى الأرض الخراب
ما ضيعة البولة فى الحمام والبصقة فى يوم المطر !
( 6 )
” حدقن .. أمعن النظر ..
هذا حصانى جائزة ..
تُهدى لمن منكن تذكر من أنا ! ..
تضحكن ثانية أميراتى الحسان !
بعيونكن ألا فقلن ..
أمن الحصان على الهزال ..
تضحكن .. أم منى على سخف السؤال ؟ ! ”
( 7 )
– قدم اليهن البطاقة !
– ما من بطاقة .
– قدم اليهن الجواز !
– ما من جواز .
لا وشم حتى فوق زند أو ذراع !
– يا للضياع !
وتظل تنهشك الوحوش ،
هذى العيون الخاليات من الرموش !
لو كان يعرف بالقلوب الناس لم يصفعك دوماً بالسؤال ..
– كل ابن كلب –
” من أنت ؟ ” .. كالقفاز فى عينيك يرمى بالسكين قلب !
وترى الكلاب تتيه كالفرسان .. والفرسان أضيع من كلاب !
– يا .. كلاب ..
كبدى خذوه ..
يا ناهشى الأكباد هاكُمْ فانهشوه ،
وليرحم اللّه الضحايا .. يرحم اللّه الضحايا !!
– لا .. لا تبالغ .. ما لهذا الحد أنت لهم ضحية
أخطأت أنت كما هم أخطأوا ..
أو علَّ سرا ثالثاً خلف الخطأ !
انا لتعجزنا الحياة ..
فنلومها .. لا عجزنا ،
ونروح نندب حظنا ،
ونقول : هذا العصر لم يخلق لنا !
– هو عصرنا !
– لكننا لسنا به الفرسان ..
نحن قطيع عميان يفتش فى الفراغ عن البطولة ،
والأرض بالأبطال ملأى حولنا !
– ملأى .. ولكن باللصوص !
– الكأس حقاً نصف فارغة فماذا لو ترى النصف الملىء ؟ !
لو لم تكن فى العالم الأضداد ما قلنا : ” عظيم أو قمىء ” !
– إنى لأعلم .. غير أن الزيف يغتال الحقيقة !
أقرأت يوما فى الحكايات القديمة ،
عن غادة حسناء فى أنياب غول ؟ !
أرأيت يوما ضفدعه ..
ما بين فكى أفعوان ؟!
من ها هنا بدء الحكاية
يا قريتى .. يا عالمى ..
يا عالمى .. يا قريتى .. !!
( 8 )
” ياسيداتى يا أميراتى الحسان ..
إنى أتيتُ إلى الوجودِ كما يجىءُ الأنبياء !
لا .. لست أنتحل النبوَّة ، غير أنى مثلهم ،
فى مذود يوما ولدت !
فى قريتى ” أخطاب ” .. حيث الناس من هول الحياة ،
موتى على قيد الحياة !
لا الأرض غنت لى ، ولا صلت لِمَقْدَمِىَ النجوم ،
ولا السماء تفتحت عن طاقةِ القدر السعيد ،
ولا الملائك باركوا مهدى ..
ولا هبطت تُصَفّق فوق رأسى بالجناحين حمامة !
قالوا : غراب ظل ينعق يومها فوق النخيل ..
حتى الفجر !
وعرفت أن الشمس لم تعبر بقريتنا .. ولا مر القمر ..
بدروبها من ألف جيل
ولا العيون تبسمت يوماً لمولود ولا دمعت لانسان يموت ..
فالناس من هول الحياة ..
موتى على قيد الحياة !
( 9 )
وظهيرة .. آويت من لفح الهجير ،
لظلال صفصاف يُطِلُّ على غدير ،
وجلست محزوناً أنقل فى المدى بصرى .. فحط على الحقول ،
وعلى بيوتِ الطينِ ، والقصر الكبير ،
وعلى القبور ،
وأنا أدندن أغنية :
” يا بهية وخبرينى ع اللى قتل ياسين ” !
وسمعت ضفدعة بقربى تستجير ..
كانت بفكَّىْ أفعوان !
عبثاً هُرِعْتُ بغصن صفصاف ، فقد فات الأوان ،
غابت وغاب الأفعوان :
ما غصن صفصاف بمعركة الأفاعى والضفادع ؟ !
( 10 )
يا سيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
وحفظت فى الكتاب آيات الكتاب ،
عن ظهر قلب .
ونسيتها عن قلب ظهر !
إلا علامات على جسمى لضرب .
– بهراوة عمياء – مثل بقية الوشم القديم ،
وغراب هابيلَ وقابيلَ ، وفأساً للخليل ،
والفعل – فعل الأمر – ” اقرأ ! ”
فقرأت ما ألقت به الأيام بين يدى : أدهم ..
والزير سالم ، والهلالى ، وابن ذى يزن وعنتر ..
ياسيداتى .. ثم نادانى من الأعماق صوت :
” قَرَّباَ مربط النعامة منى ..
لم أكن من جناتها علم اللّه وانى بحرها اليوم صالى ” !
( 11 )
لكنهم قتلوا النعامة !
كم مرة بالنوق جاءوا ، أجحروا القرية من قبل المغيب ،
كم مرة قصوا بمقراض الحمير ..
قصوا الشوارب والشعور ،
ولحى الشيوخ ، وأطلقوا الكرباج يَرْتَعُ فى الظهور ،
كم مرة هجموا بيوت الطين ، داسوا بالنعال على الحبالى
أوسعوا المرضع ضرباً والرضيع ،
كم مرة غنت بهية ..
ياسينها المقتول من فوق الهجين !
ياهول معركة الأفاعى والضفادع .
( 12 )
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
ورحلت يوماً للمدينة ،
فى ركبِ قافلةٍ ممزقةٍ حزينة
كُنّا أَهَلْنا فوق أمى آيتين من الكتاب ، وكومتين من التراب ..
وقالبىْ طوب وطبعاً ما تيسر من دموع !
لافرق يا أخطاب بينك والمدينة ،
غير المداخن والمآذن والقلاع الشاهقة ،
غير الزحام ،
وضجيج آلاف الطبول ،
ونذير أجراس الترام .
يا سيداتى.. يا أميراتى الحسان ،
وهنا البغايا كالذباب بغير حصر ،
ومشاتل البوليس والمتسولين بكل شبر ،
وقوافل جَوْعَى تهيمُ من الرصيف إلى الرصيف ..
حيرى تفتش عن رغيف !
والسوق لاتغفو .. تضج من الصباح إلى الصباح :
( من يشترى ؟ – وبكم تبيع ؟ !
يفتح اللّه – اتفقنا ! – يابلاش ! )
وهنا يباع ويشترى ..
ياسيداتى .. كل شىء !
حتى الترام يباع فى وضح النهار ..
للقادمين من القرى .. !
يادفتر الأرقام ما ثمنى ؟! أنا مثل التراب بلا ثمن ..
لاشىء بالمجان غير الموت .. لكن .. لامفر من الكفن !
( 13 )
كيخوت مهلاً .. ما هناك ؟
بحر من المتظاهرين هديره شق السماء ،
بالموت .. بالموت الزؤام .. أو الجلاء ؟
كيخوت .. ما الموت الزؤام .. وما الجلاء ؟
من هؤلاء ؟ !
ما هؤلاء ؟ !
وإذاك بين الموج تطفو كى تغوص ،
وتغوص كى تطفو – صغيراً أنت كنت – !
ما غير هذا حوت يونس ،
ما غير هذا .. أنت توشك تختنق !
وصرخت ياكيخوت بالموت الزؤام وبالجلاء ..
حتى لُفظت إلى الرصيف ،
فجعلت تهتف من هناك ..
وبمثل صوت الضفدعه ،
كيخوت وحدك .. بالرغيف ..
وسقوط ” باشا ” كان فى اخطاب فى القصر الكبير ،
واذا بكف كالجبل ..
تهوى عليك .. على قفاك ..
كى تنكفىء ..
فوق الرصيف !
كيخوت فانهض .. هل ترى ؟ !
هجم العساكر .. بالألوف على الألوف ،
جاءوا كما الطوفان لا بالنوق بل بمصفحات ..
ومدرعات .
محفوظة ياقريتى .. فالنوق من لحم ودم ،
لا من حديد !
حوتان يقتتلان .. أيهما يكون المنتصر ؟ !
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
من يومها أدركت ما الموت الزؤام وما الجلاء ..
فالموت فى الميدان أكوام كحقل القمح فى يوم الحصاد
يا قريتى .. ها أنت مثل مدينتى ..
كِلْتَاكُما فى الهم .. فى البلوى .. سواء !
( 14 )
ووجدتنى فى غابة سوداء (3) .. آلاف الكتب .
يا رحلة فى صحبة البومة والذئب .. وآوى .. وابن آوى !
والقرد والتمساح والجحش ، وذى القرنين والقرن الوحيد !
الحرف أنت . كما تكون يكون .. أى الناس أنت ؟ !
الحرف قديس – إذا ما كنت قديساً – وداعر ..
ان كنت بين الناس داعر !
يا غابة الأقلام .. ياسوق الضمائر !
– ما أنت أول فارس .. ما أنت آخر فارس ..
قد ضيعته الكُتْبُ ، ألقت فوق عينيه الغشاوة ،
فإذاك تخلط أى شَىء ..
بأى شىء !
واذا طواحين الهواء عمالقة ،
واذا قطيع الضأن جيش مقبل كالصاعقة ،
واذا الحظيرة قلعة، والطشت تاج من ذهب ،
واذا النعيق نفير الاستقبال . ( ها قد جاء كيخوت العظيم) !
يا للخديعه الكذب ..
يا أيها الآتون من بعدى الحذار ..
كل الحذار من الكُتُب !
( 15 )
– أنكون ..
ياترى أم لا نكون !
أمن الحكمة أن نحيا الحياة ..
كيفما كانت .. ونرضى حظنا ،
أم نخوض البحر فى هول الصراع ..
عزلا .. دون شراع ،
أم ترى الحكمة فى أن ننتحر ؟ !
يا دجى .. ياصمت .. يا .. يا .. ياجنون ..
أنكون ..
ياترى أم لانكون !
– يا سؤالا حائراً منذ قرون ،
هائما ليس يقر !
– أيها الهاتف من أنت ؟ !
– أنا بصقة قبر !
– أنا خفاش عجوز ،
يكره الضوء كما تكره أنت الظلمات ،
أيها الضارب فى التيه بليل ..
كيف فى التيه المفر ؟
يا صديقى .. خذ طريقى .. وانتحر !
– انتحر ؟ !
– راحة الراحات ، ترياق الألم ،
وخلاصات خلاصات الحكم ..
أنت لاتملك غير الكلمات ،
حيلة العاجز عن كل الحيل
( كلمات .. كلمات .. كلمات )
غُصْنُ صفصاف هزيل ..
أى عُكّاز وفى الدرب ملايين الحفر !
أوشك الديك يصيح ،
وسَرَتْ كالسم أنفاس الصباح ،
فوداعاً .. أو اذا شئت اختصر ..
وليكن وشْك لقاء !
– أيها الهاتف قف ..
أيها الهاتف قف ..
………………….
أنكون ..
يا ترى ..
أم لا نكون !!
( 16 )
(فتوى !
– أعطوا لقيصر ما لقيصر ،
وللاله ..
ما للاله !
– فما الذى تعطى لنا ؟ !
– ماذا تبقى عندكم ؟
– لم يبقى شىء ..
– فاهنأوا .. طوبى لكم !
( 17 )
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..!
صَلَّيْتُ فى الماخور كى أعرف أسرارَ الطهارة ،
وزنيت فى المحرابِ كى أسبر أغوار الدعارة ،
لكن شيئاً واحداً لم أقترفه .. هو اللواطة !
ياسيداتى معذرة ..
ان كنت قد جانبت آداب اللياقة .
أنا لست أعنى فتنة الغلمان .. ما كان ” ابن هانىء ” ..
فى الحق لوطيا .. ولكن اللواطة أن تقول ..
ما لاتريد ،
أو أن تريد ولا تقول !
قالوا قديما : ( لاتخف ان قلت ، واصمت لاتقل ..
ان خفت ) .. لكنى أقول :
الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف !
قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد ..
لو بعدها الطوفان قلها فى الوجوه بلا وجل :
” الملك عريان ” .. ومن يفتى بما ليس الحقيقه ..
فليلقنى خلف الجبل !
انى هنالك منتظر ..
والعار للعميان قلبا أو بصر ،
وإلى الجحيم بكل ألوان الخطر !

ملكوت الأرض ـ شعر : نجيب سرور

يا قبرتى .. بعدت عنا عين الحارس
هيا نوجز هذا البحر
مهلا .. مهلا .. هل تبكين ؟
يا قبرتى هل تبكين ؟
مسحت دمعا كان ينام على تفاح الخد
مثل دموع الصبح تنام على أوراق الورد
” شوفى .. شوفى العصفورة !! ”
ضحكت مثل الطفل وقالت :
– يا عصفورى .. لست صغيرة !
– ليت الناس جميعا كالأطفال !
والحق أقول ..
لن ندخل فى ملكوت الأرض
ما لم نرجع يا قبرتى كالأطفال
– قل لى .. ما ملكوت الأرض ؟
– كان قديما فى السموات
يدعى يا قبرتى ” الجنة ”
. . . . . . . . . . . .
دالت للإنسان الأرض !
أوغل فيها .. خاض بحارا سبعة
شق صحارى سبع
ذاق الويل
لاقى كل صنوف الهول
جاع .. تعرى .. علق فى السفود
شرد .. طورد .. سمر فى الصلبان
كتف .. ألقى للنيران
مات مسيح يا قبرتى بعد مسيح
لكن لم يمت الإنسان !
كيف يموت ..
وهو يرص الطوبة فوق الطوب
يبنى فى الأرض الملكوت
يصنع يا قبرتى الجنة .. ؟ !
يا كم رفع سزيف الصخرة
يا كم سقطت منه المرة بعد المرة
لا .. لن تيأس يا سيزيف
يوما سوف تقر هنالك فوق القمة
تهتف منها فى البشرية :
لا صلبان ولا أحزان
شبع الجوعى
شفى المرضى
قام الموتى
أبصر فى الأرض العميان
فتحت أبواب الملكوت ..
ما قد صعد إبن الإنسان
للحرية ! !

سر الكلمة ـ شعر : نجيب سرور

قبرتى .. لا يعلو شىء فوق الكلمة
كانت مذ كان الإنسان
كانت أول .. كانت أعظم ثورة !
كانت تعلو منذ البدء على الأسوار
تسخر من كل الحراس
تخرج مثل شعاع الفجر وهم نوام
خرجة ” بطرس ”
يوم أفاقوا حاروا ” أين الكلمة ” ؟
خرجت تأسو كل جراح الناس
أو ” كمحمد ” ..
ليلة شاءوا يا قبرتى قتله
ثم أفاقوا حاروا ” أين الكلمة ” ؟
خرجت تمشى بين الناس الدعوة
وكسقراط ..
شرب السم ولكن عاشت منه الكلمة
” اعرف نفسك ”
أو كيسوع ..
مات ولكن أسلم للأجيال الكلمة
” اللّه محبة ”
وكأخناتون
قد أكلته النار ولكن ..
عاشت رغم النار الكلمة ..
أبدا لم يحرقها الكهنة
ومشت بين الناس ” سلام يا آتون ! ”
هل يمنع سد هذى الموجة ..
من أن ترقص فوق الشط ؟ !
دوما سوف يزول السد
لترقص فوق الشط الكلمة
هذا يا قبرتى سر الكلمة ! !

أضف تعليق