نزار قباني : أحبك

قصيده : أُحبُّكِ..حتى ترتفعَ السماءُ قليلاً..

1

كي أستعيدَ عافيتي

وعافيةَ كلماتي.

وأخْرُجَ من حزام التلوُّثِ

الذي يلفُّ قلبي.

فالأرضُ بدونكِ

كِذْبَةٌ كبيرَهْ..

وتُفَّاحَةٌ فاسِدَةْ….

2

حتى أَدْخُلَ في دِينِ الياسمينْ

وأدافعَ عن حضارة الشِّعر…

وزُرقَةِ البَحرْ…

واخْضِرارِ الغاباتْ…

3

أريدُ أن أحِبَّكِ

حتى أطمئنَّ..

لا تزالُ بخيرْ..

لا تزالُ بخيرُ..

وأسماك الشِعْرِ التي تسْبَحُ في دَمي

لا تزالُ بخيرْ…

4

أريدُ أن أُحِبَّكِ..

حتى أتخلَّصَ من يَبَاسي..

ومُلُوحتي..

وتَكَلُّسِ أصابعي..

وفَرَاشاتي الملوَّنَةْ

وقُدرتي على البُكَاءْ…

5

أريدُ أن أُحبَّكِ

حتى أَسْتَرجِعَ تفاصيلَ بيتنا الدِمَشْقيّْ

غُرْفةً… غُرْفةْ…

بلاطةً… بلاطةْ..

حَمامةً.. حَمامَةْ..

وأتكلَّمَ مع خمسينَ صَفِيحَةِ فُلّْ

كما يستعرضُ الصائغُ

6

أريدُ أن أُحِبَّكِ، يا سيِّدتي

في زَمَنٍ..

أصبحَ فيه الحبُّ مُعاقاً..

واللّغَةُ معاقَةْ..

وكُتُبُ الشِعرِ، مُعاقَةْ..

فلا الأشجارُ قادرةٌ على الوقوف على قَدَميْهَا

ولا العصافيرُ قادرةٌ على استعمال أجْنِحَتِهَا.

ولا النجومُ قادرةٌ على التنقُّلْ….

أريدُ أن أُحبَّكِ..

من غُزْلان الحريَّةْ..

وآخِرُ رسالةٍ

من رسائل المُحِبّينْ

وتُشْنَقَ آخرُ قصيدةٍ

مكتوبةٍ باللغة العربيَّةْ…

8

أُريدُ أن أُحِبَّكِ..

قبل أن يصدرَ مرسومٌ فَاشِسْتيّْ

وأريدُ أن أتناوَلَ فنجاناً من القهوةِ معكِ..

وأريدُ أن أجلسَ معكِ.. لدَقيقَتينْ

قبل أن تسحبَ الشرطةُ السريّةُ من تحتنا الكراسي..

وأريدُ أن أعانقَكِ..

قبلَ أن يُلْقُوا القَبْضَ على فَمي.. وذراعيّْ

وأريدُ أن أبكيَ بين يَدَيْكِ

قَبْلَ أن يفرضُوا ضريبةً جمركيةً

على دُمُوعي…

أريدُ أن أُحِبَّكِ، يا سيِّدتي

وأُغَيِّرَ التقاويمْ

وأعيدَ تسميةَ الشهور والأيَّامْ

وأضبطَ ساعاتِ العالم..

على إيقاع خطواتِكْ

ورائحةِ عطرِك..

التي تدخُلُ إلى المقهى..

قبلَ دُخُولِكْ..

إني أُحبِّكِ ، يا سيدتي

دفاعاً عن حقِّ الفَرَسِ..

في أن تصهلَ كما تشاءْ..

وحقِّ المرأةِ.. في أن تختار فارسَها

كما تشاءْ..

وحق الشَجَرةِ في أن تغيّرَ أوراقها

وحقِّ الشعوب في أن تغيِّر حُكامَها

متى تشاءْ….

11

أريدُ أن أحبَّكِ..

حتى أُعيدَ إلى بيروتَ، رأسَها المقطوعْ

وإلى بَحْرِها، معطَفَهُ الأزرقْ

وإلى شعرائِها.. دفاترَهُمْ المُحْتَرقَةْ

أريدُ أن أُعيدَ

لتشايكوفسكي.. بَجَعتَهُ البيضاءْ

ولبول ايلوار.. مفاتيحَ باريسْ

ولفان كوخ.. زهرةَ (دوَّار الشمسْ)

ولأراغون.. (عيونَ إلْزَا)

ولقيسِ بنِ المُلوَّحْ..

أمشاطَ ليلى العامريَّهْ….

12

أريدُكِ ، أن تكوني حبيبتي

حتى تنتصرَ القصيدةْ…

على المسدَّسِ الكاتِمِ للصوتْ..

وينتصرَ التلاميذْ

وتنتصرَ الوردةْ..

وتنتصر المكتباتْ..

على مصانع الأسلحةْ…

13

أريدُ أن أحبَّكِ..

حتى أستعيد الأشياءَ التي تُشْبِهُنِي

والأشجارَ التي كانَتْ تتبعُني..

والقِططَ الشاميّةَ التي كانت تُخَرْمِشُني

والكتاباتِ .. التي كانَتْ تكتُبُني..

أريدُ.. أن أفتحَ كُلَّ الجواريرْ

التي كانتْ أمّي تُخبِّئُ فيها

خاتمَ زواجها..

ومسْبَحَتها الحجازيَّةْ..

بقيت تحتفظُ بها..

منذُ يوم ولادتي..

14

كلُّ شيءٍ يا سيِّدتي

دَخَلَ في (الكُومَا)

فالأقمارُ الصناعيّةْ

إنتصرتْ على قَمَر الشُعَرَاءْ

والحاسباتُ الالكترونيَّةْ

تفوَّقتْ على نشيد الإنشادْ..

وبابلو نيرودا…

أريدُ أن أُحبَّكِ، يا سيدتي..

قبل أن يُصْبحَ قلبي..

قِطْعَةَ غيارٍ تُباعُ في الصيدلياتْ

فأطِبَّاءُ القُلُوبِ في (كليفلاندْ)

يصنعونَ القلوبَ بالجُمْلَهْْ

كما تُصنعُ الأحذيَةْ….

16

السماءُ يا سيِّدتي، أصبحتْ واطِئَةْ..

والغيومُ العالية..

أصبحتْ تَتَسَكَّعُ على الأَسْْفَلتْ..

وجمهوريةُ أفلاطونْ.

وشريعةُ حَمُّورابي.

ووصايا الأنبياءْ.

صارت دون مستوى سَطْح البحرْ

ومشايخُ الطُرُقِ الصُوفِيَّة..

أن أُحِبَّكِ..

حتى ترتفعَ السماءُ قليلاً….

إنتصرتْ على قَمَر الشُعَرَاءْ

والحاسباتُ الالكترونيَّةْ

تفوَّقتْ على نشيد الإنشادْ..

وقصائدِ لوركا.. وماياكوفسكي..

وبابلو نيرودا…

15

أريدُ أن أُحبَّكِ، يا سيدتي..

قبل أن يُصْبحَ قلبي..

قِطْعَةَ غيارٍ تُباعُ في الصيدلياتْ

فأطِبَّاءُ القُلُوبِ في (كليفلاندْ)

يصنعونَ القلوبَ بالجُمْلَهْْ

كما تُصنعُ الأحذيَةْ….

16

السماءُ يا سيِّدتي، أصبحتْ واطِئَةْ..

والغيومُ العالية..

أصبحتْ تَتَسَكَّعُ على الأَسْْفَلتْ..

وجمهوريةُ أفلاطونْ.

وشريعةُ حَمُّورابي.

ووصايا الأنبياءْ.

وكلامُ الشعراء.

صارت دون مستوى سَطْح البحرْ

لذلكَ نَصَحني السَحَرةُ، والمُنجِّمونَ،

ومشايخُ الطُرُقِ الصُوفِيَّة..

أن أُحِبَّكِ..

حتى ترتفعَ السماءُ قليلاً….

قصيده : أحبكِ.. أحبكِ.. وهذا توقيعي

1

هل عندكِ شَكٌّ أنَّكِ أحلى امرأةٍ في الدُنيا؟.

وأَهَمَّ امرأةٍ في الدُنيا ؟.

هل عندكِ شكّ أنّي حين عثرتُ عليكِ . .

ملكتُ مفاتيحَ الدُنيا ؟.

هل عندكِ شكّ أنّي حين لَمَستُ يَدَيْكِ

تغيَّر تكوينُ الدنيا ؟

هل عندكِ شكّ أن دخولَكِ في قلبي

هو أعظمُ يومٍ في التاريخ . .

وأجمل خَبَرٍ في الدُنيا ؟

2

هل عندكِ شكٌّ في مَنْ أنتْ ؟

يا مَنْ تحتلُّ بعَيْنَيْها أجزاءَ الوقتْ

يا امرأةً تكسُر ، حين تمرُّ ، جدارَ الصوتْ

لا أدري ماذا يحدثُ لي ؟

فكأنَّكِ أُنثايَ الأُولى

وكأنّي قَبْلَكِ ما أحْبَبْتْ

وكأنّي ما مارستُ الحُبَّ . . ولا قبَّلتُ ولا قُبِّلتْ

ميلادي أنتِ .. وقَبْلَكِ لا أتذكّرُ أنّي كُنتْ

وغطائي أنتِ .. وقَبْلَ حنانكِ لا أتذكّرُ أنّي عِشْتْ . .

وكأنّي أيّتها الملِكَهْ . .

من بطنكِ كالعُصْفُور خَرَجتْ . .

3

هل عندكِ شكٌّ أنّكِ جزءٌ من ذاتي

وبأنّي من عَيْنَيْكِ سرقتُ النارَ. .

وقمتُ بأخطر ثَوْرَاتي

أيّتها الوردةُ .. والياقُوتَةُ .. والرَيْحَانةُ ..

والسلطانةُ ..

والشَعْبِيَّةُ ..

والشَرْعيَّةُ بين جميع الملِكَاتِ . .

يا سَمَكَاً يَسْبَحُ في ماءِ حياتي

يا قَمَراً يطلع كلَّ مساءٍ من نافذة الكلِمَاتِ . .

يا أعظمَ فَتْحٍ بين جميع فُتُوحاتي

يا آخرَ وطنٍ أُولَدُ فيهِ . .

وأُدْفَنُ فيه ..

وأنْشُرُ فيه كِتَابَاتي . .

4

يا امْرأَةَ الدَهْشةِ .. يا امرأتي

لا أدري كيف رماني الموجُ على قَدَميْكْ

لا ادري كيف مَشَيْتِ إليَّ . .

وكيف مَشَيْتُ إليكْ . .

يا مَنْ تتزاحمُ كلُّ طُيُور البحرِ . .

لكي تَسْتوطنَ في نَهْدَيْكْ . .

كم كان كبيراً حظّي حين عثرتُ عليكْ . .

يا امرأةً تدخُلُ في تركيب الشِعرْ . .

دافئةٌ أنتِ كرمل البحرْ . .

رائعةٌ أنتِ كليلة قَدْرْ . .

من يوم طرقتِ البابَ عليَّ .. ابتدأ العُمرْ . .

كم صار جميلاً شِعْري . .

حين تثقّفَ بين يديكْ ..

كم صرتُ غنيّاً .. وقويّاً . .

لمّا أهداكِ اللهُ إليَّ . .

هل عندكِ شكّ أنّكِ قَبَسٌ من عَيْنَيّْ

ويداكِ هما استمرارٌ ضوئيٌّ ليَدَيّْ . .

هل عندكِ شكٌّ . .

أنَّ كلامَكِ يخرجُ من شَفَتيّْ ؟

هل عندكِ شكٌّ . .

أنّي فيكِ . . وأنَّكِ فيَّ ؟؟

6

يا ناراً تجتاحُ كياني

يا ثَمَراً يملأ أغصاني

يا جَسَداً يقطعُ مثلَ السيفِ ،

ويضربُ مثلَ البركانِ

يا نهداً .. يعبقُ مثلَ حقول التَبْغِ

ويركُضُ نحوي كحصانِ . .

قولي لي :

كيف سأُنقذُ نفسي من أمواج الطُوفَانِ ..

قُولي لي :

ماذا أفعلُ فيكِ ؟ أنا في حالة إدْمَانِ . .

قولي لي ما الحلُّ ؟ فأشواقي

وصلَتْ لحدود الهَذَيَانِ .. .

7

يا ذاتَ الأَنْف الإغْريقيِّ ..

وذاتَ الشَعْر الإسْبَاني

يا امْرأَةً لا تتكرَّرُ في آلاف الأزمانِ ..

يا امرأةً ترقصُ حافيةَ القَدَمَيْنِ بمدْخَلِ شِرْياني

من أينَ أتَيْتِ ؟ وكيفَ أتَيْتِ ؟

وكيف عَصَفْتِ بوجداني ؟

يا إحدى نِعَمِ الله عليَّ ..

وغَيْمَةَ حُبٍّ وحَنَانٍ . .

يا أغلى لؤلؤةٍ بيدي . .

آهٍ .. كم ربّي أعطاني . .


أضف تعليق