& محمد الماغوط John William Waterhouse 1849-1917

رجل على الرصيف ـ شعر : محمد الماغوط

نُصفُهُ نجوم
ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عاريه
ذلك الشاعرُ المنكفيءُ على نفسه كخيطٍ من الوحل
وراء كل نافذه
شاعرٌ يبكي ، وفتاةٌ ترتعش ،
قلبي يا حبيبةٌ ، فراشةٌ ذهبيه ،
تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغيرين .
. . .
كنتِ يتيمةً وذات جسدٍ فوَّار
ولأهدابك الصافيةِ ، رائحةُ البنفسجِ البرّي

عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين ،
أحلم بالغروب بين الجبال ،
والزوارقِ الراحلةِ عند المساء ،
أشعرُ أن كل كلمات العالم ، طوعَ بناني .
. . .
فهنا على الكراسي العتيقه
ذاتِ الصرير الجريح ،
حيث يلتقي المطر والحب ، والعيون العسليه
كان فمك الصغير ،
يضطرب على شفتي كقطراتِ العطر
فترتسمُ الدموعُ في عيني
وأشعر بأنني أتصاعد كرائحة الغابات الوحشيه
كهدير الأقدام الحافيةِ في يوم قائظ .
. . .
لقد كنتِ لي وطناً وحانه
وحزناً طفيفاً ، يرافقني منذ الطفوله
يومَ كان شعرك الغجري
يهيمُ في غرفتي كسحابه ..
كالصباح الذاهب إلى الحقول .
فاذهبي بعيداً يا حلقاتِ الدخان
واخفقْ يا قلبي الجريح بكثره ..
ففي حنجرتي اليوم بلبلٌ أحمرُ يودُّ الغناء
أيها الشارع الذي أعرفه ثدياً ثدياً ، وغيمة غيمه
يا أشجار الأكاسيا البيضاء
ليتني مطرٌ ذهبي
يتساقط على كل رصيفٍ وقبضةِ سوط
أو نسيمٌ مقبلٌ من غابة بعيده
لألملم عطر حبيبتي المضطجعة على سريرها
كطير استوائي حنون
ليتني أستطيع التجول
في حارات أكثرَ قذارة وضجه
أن أرتعشَ وحيداً فوق الغيوم .
. . .
لقد كانت الشمس
أكثر استدارةً ونعومة في الأيام الخوالي
والسماء الزرقاء
تتسلل من النوافذ والكوى العتيقه
كشرانقَ من الحرير
يوم كنا نأكل ونضاجعُ ونموتُ بحرية تحت النجوم
يوم كان تاريخنا
دماً وقاراتٍ مفروشه بالجثث والمصاحف .

الشتاء الضائع ـ شعر : محمد الماغوط

بيتنا الذي كان يقطنُ على صفحةِ النهر
ومن سقفه الأصيل والزنبقُ الأحمر
هجرتُه يا ليلى
وتركتُ طفولتي القصيره
تذبلُ في الطرقات الخاويه
كسحابةٍ من الوردِ والغبار
غداً يتساقط الشتاء في قلبي
وتقفز المتنزهاتُ من الأسمالِ والضفائر الذهبيه
وأجهشُ ببكاءٍ حزين على وسادتي
وأنا أرقبُ البهجة الحبيبه
تغادرُ أشعاري إلى الأبد
والضبابُ المتعفّنُ على شاطئ البحر
يتمدَّدُ في عيني كسيلٍ من الأظافرِ الرماديه
حيثُ الرياحُ الآسنه
تزأرُ أمام المقاهي
والأذرعُ الطويلةُ ، تلوحُ خاويةً على الجانبين
يطيبُ لي كثيراً يا حبيبة ، أن أجذبَ ثديك بعنف
أن أفقد كآبتي أمام ثغرك العسلي
فأنا جارحٌ يا ليلى
منذ بدءِ الخليقةِ وأنا عاطلٌ عن العمل
أدخِنُ كثيراً
وأشتهي أقربَ النساء إليّ
ولكم طردوني من حاراتٍ كثيره
أنا وأشعاري وقمصاني الفاقعة اللون
غداً يحنُّ إليّ الأقحوان
والمطرُ المتراكمُ بين الصخور
والصنوبرةُ التي في دارنا
ستفتقدني الغرفات المسنّه
وهي تئنُّ في الصباح الباكر
حيث القطعان الذاهبةُ إلى المروج والتلال
تحنُّ إلى عينيّ الزرقاوين
فأنا رجلٌ طويلُ القامه
وفي خطواتي المفعمةِ بالبؤس والشاعريه
تكمن أجيالٌ ساقطةٌ بلهاء
مكتنزةٌ بالنعاسِ والخيبة والتوتر
فأعطوني كفايتي من النبيذ والفوضى
وحرية التلصلصِ من شقوق الأبواب
وبنيّةً جميله
تقدم لي الورد والقهوة عند الصباح
لأركضَ كالبنفسجة الصغيرةِ بين السطور
لأطلقَ نداءاتِ العبيد
من حناجر الفولاذ .

جفاف النهر ـ شعر : محمد الماغوط

صاخبٌ أنا أيها الرجلُ الحريري
أسير بلا نجومٍ ولا زوارق
وحيد وذو عينين بليدتين
ولكنني حزين لأن قصائدي غدت متشابهة
وذات لحن جريح لا يتبدَّل
أريد أن أرفرفَ ، أن أتسامى
كأميرٍ أشقر الحاجبين
يطأ الحقول والبشريه ..
. . .
وطني .. أيها الجرسُ المعلَّقُ في فمي
أيها البدويُّ المُشْعثُ الشعر
هذا الفمُ الذي يصنع الشعر واللذه
يجب أن يأكلَ يا وطني
هذه الأصابعُ النحيلة البيضاء
يجب أن ترتعش
أن تنسج حبالاً من الخبز والمطر .
. . .
لا نجومَ أمامي
الكلمةُ الحمراء الشريدة هي مخدعي وحقولي .
كنتُ أودُّ أن أكتب شيئاً
عن الاستعمارِ والتسكع
عن بلادي التي تسير كالريح نحو الوراء
ومن عيونها الزرق
تتساقط الذكرياتُ والثيابُ المهلهه
ولكنني لا أستطيع
قلبي باردٌ كنسمةٍ شماليه أمام المقهى
إن شبحَ تولستوي القميء ،
ينتصبُ أمامي كأنشوطةٍ مدلاة
ذلك العجوز المطوي كورقةِ النقد
في أعماق الروسيا .
لا أستطيع الكتابةَ ، ودمشقُ الشهيه
تضطجعُ في دفتري كفخذين عاريين .
. . .
يا صحراءَ الأغنية التي تجمع لهيب المدن
ونواحَ البواخر
لقد أقبلَ والليلُ طويلاً كسفينة من الحبر
وأنا أرتطمُ في قاع المدينه
كأنني من وطنٍ آخر
وفي غرفتي الممتلئة بصور الممثلين وأعقابِ السجائر
أحلمُ بالبطولة ، والدم ، وهتاف الجماهير
وأبكي بحرارة كما لم تبكِ امرأة من قبل
فاهبطْ يا قلبي
على سطح سفينةٍ تتأهب للرحيل
إن يدي تتلمس قبضة الخنجر
وعيناي تحلقان كطائرٍ جميلٍ فوق البحر .

تبغ وشوراع ـ شعر : محمد الماغوط

شعركِ الذي كان ينبضُ على وسادتي
كشلالٍ من العصافير
يلهو على وساداتٍ غريبه
يخونني يا ليلى
فلن أشتري له الأمشاط المذهبّه بعد الآن
سامحيني أنا فقيرٌ يا جميله
حياتي حبرٌ ومغلفاتٌ وليل بلا نجوم
شبابي باردٌ كالوحل
عتيقٌ كالطفوله
طفولتي يا ليلى .. ألا تذكرينها
كنت مهرجاً ..
أبيع البطالة والتثاؤبَ أمام الدكاكين
ألعبُ الدّحل
وآكل الخبز في الطريق
وكان أبي ، لا يحبني كثيراً ، يضربني على قفاي كالجارية
ويشتمني في السوق
وبين المنازل المتسلخةِ كأيدي الفقراء
ككل طفولتي
ضائعاً .. ضائعاً
أشتهي منضدةً وسفينة .. لأستريح
لأبعثر قلبي طعاماً على الورق
. . .
في البساتين الموحله .. كنت أنظمُ الشعر يا ليلى
وبعد الغروب
أهجر بيتي في عيون الصنوبر
يموت .. يشهق بالحبر
وأجلسُ وحيداً مع الليل والسعال الخافت داخل الأكواخ
مع سحابة من النرجس البرّي
تنفض دموعها في سلال العشبِ المتهادية
على النهر
هدية لباعة الكستناء
والعاطلين عن العمل على جسر فكتوريا .
. . .
هذا الجسرُ لم أره من شهورٍ يا ليلى
ولا أنت تنتظرينني كوردةٍ في الهجير
سامحيني .. أنا فقيرٌ وظمآن
أنا إنسانُ تبغٍ وشوارع وأسمال .

الخطوات الذهبية ـ شعر : محمد الماغوط

قابلةٌ للموتِ تلك الجباه السكَريه
قابلة لأن تنشد وتبتسم
تلك الشفاه الأكثر ليونه من العنبِ الخمري .
من رغوة النبيذ المتأججِ على خاصرة عذراء
قصتُها تبدأ الليله
أو صباحَ غد
حيث الغيومُ الشتائيةُ الحزينه
تحمل لي رائحة أهلي وسريري
والسهرات المضيئه بين أشجار الصنوبر .
. . .
آه كم أود أن أكون عبداً حقيقياً
بلا حبٍّ ولا وطن
لي ضفيرةٌ في مؤخرة الرأس
وأقراطٌ لامعةٌ في أذنيّ
أعدو وراءَ القوافل
وأسرج الجياد في الليالي الممطره
وعلى جلدي الأسود العاري
يقطرُ دهنُ الاوز الأحمر
وتنثني ركب الجواري الصغيرات
إنني أسمعُ نواحَ أشجارٍ بعيده
أرى جيوشا صفراء
تجري فوق ضلوعي .
. . .
يقولون ، إن شعركَ ذهبيٌّ ولامعٌ أيها الحزن
وكتفيك قويان ، كالأرصفه المستديره
لفّني يا حبيبي
لفني أيها الفارسُ الوثني الهزيل
إنني أكثر حركه
من زهرة الخوخ العاليه
من زورقين أخضرين في عيني طفله .
أمام المرآة أقفُ حافياً وخجولاً
أتأملُ وجهي وأصابعي
كنسرٍ رمادي تَعِس
أحلم بأهلي واخوتي
بلون عيونهم وثيابهم وجواربهم .
. . .
من رأى ياسمينةً فارعةً خلف أقدامي ؟
من رأى شريطةً حمراء بين دفاتري ؟
إنني هنا فناءٌ عميق
وذراعٌ حديديةٌ خضراء
تخبطُ أمام الدكانين
والساحات الممتلئة بالنحيب واللذّه
إنني أكثر من نجمةٍ صغيرة في الأفق
أسير بقدمين جريحتين
والفرحُ ينبضُ في مفاصلي
إنني أسيرُ على قلب أُمّه .

الغرباء ـ شعر : محمد الماغوط

قبورنا معتمةٌ على الرابيه
والليل يتساقطُ في الوادي
يسيرُ بين الثلوج والخنادق
وأبي يعود قتيلاً على جواده الذهبي
ومن صدره الهزيل
ينتفض سعالُ الغابات
وحفيفُ العجلات المحطّمه
والأنين التائهُ بين الصخور
ينشدُ أغنيةً جديدةً للرجل الضائع
للأطفال الشقر والقطيع الميت على الضفة الحجريه .
أيتها الجبالُ المكسوةُ بالثلوج والحجاره

أيها النهرُ الذي يرافق أبي في غربته
دعوني انطفىء كشمعةٍ أمام الريح
أتألّم كالماء حول السفينه
فالألم يبسط جناحه الخائن
والموتُ المعلقُ في خاصرة الجواد
يلج صدري كنظرةِ الفتاة المراهقه
كأنين الهواءِ القارس .

من قديم الزمان ،
وأنا أرضعُ التبغَ والعار
أحبُّ الخمرَ والشتائم
والشفاه التي تقبّلْ ماري
ماري التي كانت اسمها أمي
حارّة كالجرب
سمراء كيومٍ طويل غائم
أحبُّها ، أكره لحمها المشبعَ بالهمجية والعطر ،
أربضُ عند عتبتها كالغلام
وفي صدري رغبةٌ مزمنه
تشتهي ماري كجثة زرقاء

تختلج بالحلي والذكريات .
من قديم الزمان .. أنا من الشرق ..
من تلك السهول المغطاةِ بالشمسِ والمقابر
أحب التسكعَ والثيابَ الجميله
ويدي تتلمس عنقَ المرأة البارده
وبين أهدابها العمياء
ألمح دموعاً قديمةً تذكرني بالمطر
والعصافير الميتة في الربيع
كنت أرى قارةً من الصخر
تشهقُ بالألم والحرير
والأذرعِ الهائجة في الشوارع .
فأنتم يا ذوي الأحذية اللامعه
والسلاميات المحشوةِ بالإثم والخواتم
ماذا تعرفون عن ماري الصغيرةِ الحلوه
ذات الوجه الضاحك كقمرٍ من الياسمين
ماذا تعرفون عن لحمها الذي يتجشَّأُ العطر والأصابع
حيث الشفاهُ المقروءةُ الخائفه
تنهمر عليها كالجراد
وهي ترنو إلى الطرقات الحالكه
بعد منتصف الليل
والنوافذ المفروشة بالزجاج والدم
قابعة كالحثالة في أحشاء الشرق
تأكلُ وتنام
وتموت قبلةً إثر قبله
تحلم بملاءةٍ سوداء
ونزهةٍ في شارع طويل
ممتلئٍ بالضجَّة والدفاتر والأطفال
وثغرُها الطافحُ بالسأم
يكدح طيلة الليل لتأكل ماري
الأفران مطفأةٌ في آسيا
والطيورُ الجميلة البيضاء
ترحل دونما عودة في البراري القاحله .

المسافر ـ شعر : محمد الماغوط

بلا أمل ..
وبقلبي الذي يخفقُ كوردةٍ حمراءَ صغيره
سأودِّع أشيائي الحزينةَ في ليلةٍ ما ..
بقع الحبر
وآثار الخمرة الباردة على المشمّع اللزج
وصمت الشهور الطويله
والناموس الذي يمصُّ دمي
هي أشيائي الحزينه
سأرحلُ عنها بعيداً .. بعيداً
وراء المدينة الغارقةِ في مجاري السلّ والدخان
بعيداً عن المرأة العاهره

التي تغسل ثيابي بماء النهر
وآلاف العيون في الظلمه
تحدق في ساقيها الهزيلين ،
وسعالها البارد ، يأتي ذليلاً يائساً
عبر النافذةِ المحطَّمه
والزقاقُ المتلوي كحبلٍ من جثث العبيد
سأرحلُ عنهم جميعاً بلا رأفه
وفي أعماقي أحمل لك ثورةً طاغيةً يا أبي
فيها شعبٌ يناضل بالتراب ، والحجارة والظمأ
وعدة مرايا كئيبه
تعكس ليلاً طويلاً ، وشفاهاً قارسةً عمياء
تأكل الحصى والتبن والموت
منذ مدة طويلة لم أرَ نجمةً تضيء
ولا يمامةً تصدحُ شقراء في الوادي
لم أعدْ أشربُ الشاي قرب المعصره
وعصافيرُ الجبال العذراء ،
ترنو إلى حبيبتي ليلى
وتشتهي ثغرها العميقَ كالبحر
لم أعد أجلس القرفصاء في الأزقه
حيث التسكع
والغرامُ اليائس أمام العتبات .
فأرسل لي قرميدةً حمراء من سطوحنا
وخصلةَ شعرٍ من أمي
التي تطبخ لك الحساء في ضوء القمر
حيث الصهيلُ الحزين
وأعراسُ الفجر في ليالي الحصاد
بعْ أقراط أختي الصغيره
وأرسل لي نقوداً يا أبي
لأشتري محبره
وفتاه ألهث في حضنها كالطفل
لأحدثك عن الهجير والتثاؤب وأفخاذ النساء
عن المياهِ الراكدةِ كالبول وراء الجدران
والنهود التي يؤكل شهدُها في الظلام
فأنا أسهرُ كثيراً يا أبي
أنا لا أنام ..
حياتي ، سوادٌ وعبوديةٌ وانتظار .
فأعطني طفولتي ..
وضحكاتي القديمة على شجرةِ الكرز
وصندلي المعلَّقَ في عريشة العنب ،
لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري
لأسافرَ يا أبي .

حزن في ضوء القمر ـ شعر : محمد الماغوط

أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها
أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر
خذني إليها
قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر
فأنا متشرّد وجريح
أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده
من أعماق النوم أستيقظ
لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم
لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر
قل لحبيبتي ليلى
ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين

أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها
انني ألمح آثار أقدام على قلبي .
دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه
وأنا راقدٌ في غرفتي
أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره
من قلب السماء العاليه
أسمع وجيب لحمك العاري .
عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده
والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا
ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح
تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ
ورياحُ البراري الموحشه
تنقلُ نواحنا
إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس
ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ
نبكي ونرتجف
وخلف أقدامنا المعقوفه
تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه …
وافترقنا
وفي عينيكِ الباردتين
تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله
أيتها العشيقةُ المتغضّنة
ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر
أنتِ لي
هذا الحنينُ لك يا حقوده !
. .
قبل الرحيل بلحظات
ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده
عن الليل والخريف والأمم المقهوره
وتحت شمس الظهيرة الصفراء
كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ
وأترك الدمعه
تبرق كالصباح كامرأة عاريه
فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه
وقربَ الغيوم الصامتة البعيده
كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره
تندفع في نهر من الشوك
وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه
تحدقُ بي
بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .
. .
يا نظراتِ الحزن الطويله
يا بقع الدم الصغيرة أفيقي
إنني أراكِ هنا
على البيارقِ المنكَّسه
وفي ثنياتِ الثياب الحريريه
وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام
تحت سمائك الصافيه
أمضي باكياً يا وطني
أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف
والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين
كامرأتين دافئتين
كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني
إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول
تحت أظافري العطريه
يقبعُ مجدك الطاعن في السن
في عيون الأطفال
تسري دقاتُ قلبك الخائر
لن تلتقي عيوننا بعد الآن
لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه
سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده
كالسحابةِ التي لا وطن لها .
.
وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل
أيتها الشبابيكُ الارجوانيه
انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب
عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..
جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،
أودُّ أن أموتَ ملطخاً
وعيناي مليئتان بالدموع
لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر
فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه
في طفولتي ،
كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب
وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه
أما الآن
وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح
انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع
اشتهي جريمةً واسعه
وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،
إلى بلادٍِ بعيده ،
حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،
وفتاةٌ خلاسيه ،
تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان .

جنازة النسر ـ شعر : محمد الماغوط

أظنُّها من الوطن
هذه السحابةُ المقبلةُ كعينين مسيحيتين ،
أظنُّها من دمشق
هذه الطفلةُ المقرونةُ الحواجب
هذه العيونُ الأكثر صفاءً
من نيرانٍ زرقاءَ بين السفن .
أيها الحزن .. يا سيفيَ الطويل المجعَّد
الرصيفُ الحاملُ طفله الأشقر
يسأل عن وردةٍ أو أسير ،
عن سفينةٍ وغيمة من الوطن …
والكلمات الحرّة تكتسحني كالطاعون
لا امرأةَ لي ولا عقيده
لا مقهى ولا شتاء
ضمني بقوة يا لبنان
أحبُّكَ أكثر من التبغِ والحدائق
أكثر من جنديٍّ عاري الفخذين
يشعلُ لفافته بين الأنقاض
ان ملايين السنين الدمويه
تقف ذليلةً أمام الحانات
كجيوشٍ حزينةٍ تجلس القرفصاء
ثمانية شهور
وأنا ألمسُ تجاعيد الأرضِ والليل
أسمع رنينَ المركبة الذليله
والثلجَ يتراكمُ على معطفي وحواجبي
فالترابُ حزين ، والألمُ يومضُ كالنسر
لا نجومَ فوق التلال
التثاؤب هو مركبتي المطهمةُ ، وترسي الصغيره
والأحلام ، كنيستي وشارعي
بها استلقي على الملكاتِ والجواري
وأسيرُ حزيناً في أواخر الليل .

الوشم ـ شعر : محمد الماغوط

الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين
حيث لا شيء
يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره
سوى الاسفلت
سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو
ولن أنهض
حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
في العالم
وتوضع أمامي
لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..

حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين
من قبضات أصحابها
وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)
في غاباتها
أضحك في الظلام
أبكي في الظلام
أكتبُ في الظلام
حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي
كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره
سترتُ أوراقي بيدي
كبغيٍّ ساعةَ المداهمه
من أورثني هذا الهلع
هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ
ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه
أو قبعةً من فرجة باب
حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها
ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه
كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات
تطارده من شريان إلى شريان
آه يا حبيبتي
عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي
المأساة ليست هنا
في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار
إنها هناك
في المهد.. في الرَّح
فأنا قطعاً
ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه
بل بحبل مشنقة

ان فان أيك (1385-1440) & نازك الملائكة

ان فان أيك (1385-1440)

لوحات تميزت بالدقة و سعة الخيال

يعد جان فان أيك, من أشهر فناني إقليم الفلمنك, الذي كان يضم قسما من ألمانيا و بلجيكا. و كان الفن الفلمنكي يتجه إلى رسم

مناظر من الحياة اليومية, كرسم الأشخاص الأثرياء و الأزياء و الأثاث, بينما كان الفن الإيطالي في نفس الوقت يهتم برسم

الموضوعات الأسطورية و التاريخية.

ظهرت موهبته الفنية عندما كان صبيا, و في عام 1422 التحق بخدمة أحد النبلاء في هولندا كرسام لقصره, ثم أرسله في مهام

دبلوماسية إلى إسبانيا و البرتغال مما أتاح له الفرصة للتعرف على الفنانين هناك.

تميزت لوحاته الزيتية بالدقة و سعة الخيال, و نال شهرة واسعة عندما دخل في بلاط فيليب ملك إسبانيا. كانت لوحات فان أيك

تتألق بالألوان المبهجة التي تضيئها الأشعة القادمة من النوافذ, فتضفي إشراقا على الوجوه و الطبيعة الداخلية, مما يحقق تكاملا

رائعا في الشكل العام للوحة.

قال عنه النقاد إن جان فان أيك يضع أشخاصه بأحجام كبيرة في مقدمة اللوحة, و في نهاية اللوحة خلفية بعيدة تتميز بالدقة, مما

يدل على أن عينيه كانتا مجهرا و تلسكوبا في نفس الوقت. و يعد جان فان رائدا للفن التقريري, فهو يهتم بالتفاصيل الدقيقة و

خاصة في رسوم الأشخاص, حيث يبرز تفاصيل العروق و الأخاديد و التعبير في الوجه.

اشترك مع أخيه هوبرت في لوحة هائلة تبلغ مساحتها 60 مترا مربعا, أطلق عليها ” الحمل” تعد من أكبر اللوحات التي رسمت

في القرن الخامس عشر.

ان فان أيك (1385-1440)

لوحات تميزت بالدقة و سعة الخيال

يعد جان فان أيك, من أشهر فناني إقليم الفلمنك, الذي كان يضم قسما من ألمانيا و بلجيكا. و كان الفن الفلمنكي يتجه إلى رسم

مناظر من الحياة اليومية, كرسم الأشخاص الأثرياء و الأزياء و الأثاث, بينما كان الفن الإيطالي في نفس الوقت يهتم برسم

الموضوعات الأسطورية و التاريخية.

ظهرت موهبته الفنية عندما كان صبيا, و في عام 1422 التحق بخدمة أحد النبلاء في هولندا كرسام لقصره, ثم أرسله في مهام

دبلوماسية إلى إسبانيا و البرتغال مما أتاح له الفرصة للتعرف على الفنانين هناك.

تميزت لوحاته الزيتية بالدقة و سعة الخيال, و نال شهرة واسعة عندما دخل في بلاط فيليب ملك إسبانيا. كانت لوحات فان أيك

تتألق بالألوان المبهجة التي تضيئها الأشعة القادمة من النوافذ, فتضفي إشراقا على الوجوه و الطبيعة الداخلية, مما يحقق تكاملا

رائعا في الشكل العام للوحة.

قال عنه النقاد إن جان فان أيك يضع أشخاصه بأحجام كبيرة في مقدمة اللوحة, و في نهاية اللوحة خلفية بعيدة تتميز بالدقة, مما

يدل على أن عينيه كانتا مجهرا و تلسكوبا في نفس الوقت. و يعد جان فان رائدا للفن التقريري, فهو يهتم بالتفاصيل الدقيقة و

خاصة في رسوم الأشخاص, حيث يبرز تفاصيل العروق و الأخاديد و التعبير في الوجه.

اشترك مع أخيه هوبرت في لوحة هائلة تبلغ مساحتها 60 مترا مربعا, أطلق عليها ” الحمل” تعد من أكبر اللوحات التي رسمت

في القرن الخامس عشر.

قصيده : النائمة في الشارع

فيالكرّدة , في ليلة أمطار ورياح

والظلمة سقف مدّ وستر ليس يزاح

وسكون رطب يصرخ فيه الإعصار

الشارع مهجور تعول فيه الريح

والحارس يعبر جهما مرتعد الخطوات

يكشفه البرق وتحجب هيكله الظلمات

تنتفض الظلمة فيه ويرتعش الرعد

***

حرست ظلمته شرفة بيت مهجور

كان البرق يمرّ ويكشف جسم صبيه

الإحدى عشرة ناطقة في خدّيها

في رقة هيكلها وبراءة عينيها

رقدت فوق رخام الأرصفة الثلجيّه

ضمّت كفّيها في جزع في إعياء

وتوسّدت الأرض الرطبة دون غطاء

والحمّى تلهب هيكلها ويد السّهد

ظمأى , ظمأى للنوم ولكن لا نوما

ألم يبقى ينهش , لا يرحم مخلبه

السّهد يضاعفه والحمّى تلهبه

أشباح تركض , صيحات شيطانّيه

عبثا تخفي عينيها وسدى لا تنظر

وتظلّ الطفلة راعشة حتى الفجر

حتى يخبو الإعصار ولا أحد يدري

أيّام طفولتها مرّت في الأحزان

تشريد , جوع , أعوام من حرمان

والطفلة جوع أزلي , تعب , ظمأ

ولمن تشكو ؟ لا أحد ينصت أو يعنى

والناس قناع مصطنع اللون كذوب

خلف وداعنه اختبأ الحقد المشبوب

والرحمة تبقى لفظا يقرأ في القاموس

ونيام في الشارع يبقون بلا مأوى

هذا الظلم المتوحّش باسم المدنيّه ,

باسم الإحساس , فواخجل الإنسانيه

***

أيّام طفولتها مرّت في الأحزان

تشريد , جوع , أعوام من حرمان

إحدى عشرة كانت حزنا لا ينطفىء

والطفلة جوع أزلي , تعب , ظمأ

ولمن تشكو ؟ لا أحد ينصت أو يعنى

البشرية لفظ لا يسكنه معنى

والناس قناع مصطنع اللون كذوب

خلف وداعنه اختبأ الحقد المشبوب

والمجتمع البشري صريع رؤى وكؤوس

والرحمة تبقى لفظا يقرأ في القاموس

ونيام في الشارع يبقون بلا مأوى

لا حمّى تشفع عند الناس ولا شكوى

هذا الظلم المتوحّش باسم المدنيّه ,

باسم الإحساس , فواخجل الإنسانيه

قصيده : الباحثة عن الغد

“غدانلتقي” نبأ في الزمان *** روته الحياه
تلاشى ولم تروه شفتان *** تلاشى وناه
فأين”غدا نلتقي” يا حياة *** أعادت ترابا ؟
“غدا نلتقي” ثم مات الزمان *** وضاع المكان
وكان لنا موعد فانطوى *** صداه ومات
وكم كوكب في الدياجي هوى *** وعاد رفات
فأسفر آخرها عن قدر *** وذاب الرنين
وكنّا نمرّ فتلانو الحياة *** وتومي إلينا
ويطردنا الأمس من كلّ ما *** ملكناه يوما
سوى حاضر مغرق في الدما *** ويقطر سمّا
صدى لفظتين يجوس الفضاء *** “غدا نلتقي”
ويأتي غد في أسى وشرود *** بصمت طويل
“غدا نلتقي” ويسود السكون *** سكون الخريف
وأسمع تحت المساء الحنون *** صراخا عنيف
ترددها شفة حاقده *** وراء العصور
“غدا نلتقي” وتمطّ النغم *** وتسخر مني
ويأتي غد في أسى وشرود *** بصمت طويل
بألف صدى ساخر *** في برود وراء النخيل
“غدا نلتقي” ويسود السكون *** سكون الخريف
وأسمع تحت المساء الحنون *** صراخا عنيف
وقهقهة, فظة , بارده *** لجوّ القبور
ترددها شفة حاقده *** وراء العصور
“غدا نلتقي” وتمطّ النغم *** وتسخر مني
ويبقى غدي في الظلم *** يفتّش عني


قصيده : ثلاث أغنيات عربية

-1-

الساعة

دقّت الساعة في أرض بلادي العربيّه

جلجلت , ضجّت , ودوّت ملء وديان قصيّه

غلغلت عبر بساتين النخيل العنبريّه

وتلوّت في صحاررسخت كالأبديّه

دقّت الساعة واهتزّت لها سمر الصحاري

وارتوت بيد عطاش لانبلاج , لانفجار

ورمال لم تزل منذ عصور في انتظار

فتحت أذرعها العطشى وألوت بالإسار

***

إحملي أغنية الصحو إلى خضر المروج

ووعودا مورقات عربيّات الأريج

نبضت بين المحيط المترامي والخليج

***

إثنتا عشرة من دقّاتها هزّت ربانا

غلغلت عبر صحارينا النشاوى وقرانا

وسمعناها تنادي وأفقنا من كرانا

***

-2-

اللصوص

ولصوص هناك كثار
أقبلوا من وراء البحار
***

يأخذون الثرى والهواء
***

يخنقون الأغاني الحنون
***

إنّهم يقطعون الطرق
-3-

النسر المطعون

حيث النخيل السامق المزدهي
وحيث أغنيات أنهارنا
هناك ألقى طائر ظلّه
***

في كبرياء الريش تحيا ذرى
أقام فوق الأرض لا يرتقي
واللانهايات تنادي وفي
في قلبه النابض قد أغمدوا
من صدره الحرّ يغذّي الثرى
يا رمح اسرائيل مهما ارتوى
-3-

النسر المطعون

حيث النخيل السامق المزدهي
حيث الينابيع وكاساتها
وحيث أغنيات أنهارنا
هناك ألقى طائر ظلّه
***

جنحاه مبسوطان فوق المدى
في كبرياء الريش تحيا ذرى
أقام فوق الأرض لا يرتقي
واللانهايات تنادي وفي
***

في قلبه النابض قد أغمدوا
من صدره الحرّ يغذّي الثرى
يا رمح اسرائيل مهما ارتوى
يبقى ثرانا عربيّ الشذى
***

يافا وحيفا في غد نلتقي
تبقى فلسطين لنا نغمة
ونسرنا الشامخ لن ينثني
غدا فلسطين لنا كلّها


Pieter Brueghel the Younger (1564 – 1638)& الخليل بن أحمد

قصيده : نَصَحتُكَ يا مُحَمَّدُ إِنَّ نُصحي

نصحتكيا محمد إن نصحي *** رخيص يا رفيقي للصديق
فلم تقبل وكم من نصح ود *** أضيع فحاد عن وضح الطريق

قصيده : لَو كُنتَ تَعلَمُ ما أَقولُ عَذَرتَني

لوكنت تعلم ما أقول عذرتني *** أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني *** وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

قصيده : فَهُمُ كَثيرٌ فيَّ واعلَمُ أَنَّني بِهِمُقَليلُ

فهمكثير في واعـ *** ـلم أنني بهم قليل

قصيده : صِف خَلقَ خَودِ كَمِثلِ الشَمسِ إِذ بَزَغَت

صفخلق خود كمثل الشمس إذ بزغت *** يحظى الضجيع بها نجلاء معطار


قصيده : تَكَثَّر مِنَ الإِخوانِ ما اسطَعتَ

تكثرمن الإخوان ما اسطعت إنهم *** بطون إذا استنجدتهم وظهور
وما بكثير ألف خل لعاقل *** وإن عدوا واحدا لكثير

قصيده : اللَهُ رَبّي وَالنَبِيُّ مُحَمَّدٌ

اللهربي والنبي محمد *** حييا الرسالة بين الأسباب
ثم الوصي وصي أحمد بعده *** كهف العلوم بحكمة وصواب
فاق النظير ولا نظير لقدره *** وعلا عن الخلان والأصحاب
بمناقب ومآثر ما مثلها *** في العالمين لعابد تواب
وبنوه أبناء النبي المرتضى *** أكرم بهم من شيخة وشباب
ولفاطم صلى عليهم ربنا *** لقديم أحمد ذي النهى الأواب


قصيده : إِن لَم يَكُن لَكَ لَحُمٌ

إنلم يكن لك لحم *** كفاك خل وزيت
أو لم يكن ذا وهذا *** فكسرة وبييت
تظل فيه وتأوي *** حتى يجيئك موت
هذا عفاف وأمن *** فلا يغرك ليت



من ديوان همسات شجرة الجوز – الهام الزبيدي

من رمادية …..تلفني

من برد أستوطن …….أيامي

أنت بزغت …..كقوس قزح …كلون ذهبي

بحر عميق …كهف مسحور …..أنت بزغت

لتنفض عني أكوام السنين وتثقب  عينا……. بجدار الأنين

تستل من عينيك سيفك الحنين ….وبصوتك الدافئ الرنين

تقتحم حصني الرصين ……كأجراس في فضاء سكين

تلمع كنجمة في سماء ليل …..يوشحه غناء طائر حزين

من بعثك؟؟؟؟؟؟؟ من ؟؟؟؟

من دلك ….على صحرائي ..لتمد يدك وتقتلع نباتاتي البرية

وتنثر بين حنايا الروح ……زهر البرتقال وورد الياسمين

من !!!!!بعثك من ؟؟لتنفض عني أكوام اليأس

وتزيح عن صدري جبال البؤس

وتفرش لي واديا أخضر يبحث عن اثنين مجانين

من بعثك ؟؟؟؟لتوقظ ماردا”طالما ظننت أني اغتلته

وتناثر فوق ليالي الباردة الطويلة

نجوم لا تبرق…. ولا تملك سهر العاشقين

من بعثك ؟؟؟؟؟من لتحتل وقت العصر من أيامي

وتدعني أنتظر رقم هاتفك ….كأحد أحلامي

من بعثك ؟؟؟؟؟……..أنا……. أم …….أنت ؟؟؟؟؟

أهي نظرة…………………. أم همسة

أم فضول لعبث طالما أردته يكون

ولا أدعه ….يكون ….كل هذه السنين

من بعثك ؟؟؟؟؟والى أين نمضي !!!

ياسيدي لاتسألني …….عن ماذا أهذي

لأني لا…. لا  أعرف  ما يجري ….!

لا تسألني أن هذا شعري أم غنائي

أم …….أني…………….. ابكي

فأنا  ياسيدي……..لاأملك الجواب

أو ربما ………. لا  أريد الجواب

التيه يحلو لي وربما يحلو لك

والهروب الذي أدمنته …..بت لا أعرف طريقه

وأعود وأسأل من بعثك ؟؟من قدر صدفه أم !!!!

أنت السارق الذي يسرق مني نفسي ….ويتركني مع أمسي

ووليد بقلبي …..يصرخ

أأنت ………..حلم بعيد

أأنت …….حب فقيد

أم ………..أنت ؟؟؟؟

من بعثك؟؟؟؟؟ من !!!!

توجد بقية للقصيدة لكني لا أجرؤ حتى على كتابتها لك

 

 

24

                           على دروب القمر

على دروب القمر…….أدعوك ياحبيبي

لنسافر معا……..على دروب القمر

ولنملأ حقائب السفر…..بصوت فيروز …..وزروعاتي

واوراقك المفضلة……التي تكتب عليها الشعر

ولنقطع تذكرتين……..مع اول خيوط ضياء القمر

ونرحل معا بعيدا………………….عن كل شارع

عن كل مدينة………….عن كل عصر

ليأخذنا ويخبئنابين ثناياه …….القمر

ويتركنا بحقولواسعة لا تعرف الحقد ….والغدر …ولا تعرف الضجر

حقول تمتص الحزنوالألم ………….من قلبينا

فتعيد لهما…….لون الفجر وتبعث فينا روحا”صافية”

كصفاء لون………………………..النهر

لانفكر بعودة ونمزقكل ……تذاكر السفر

ونحرق من ذاكرتناعناوين مكاتب …….السفر

لنبدأ من جديد…………..رحلة العمر ….على دروب القمر

أنت وأنا على دروبالقمر

نركض ونضحك…..نلعب ونبكي ………..نرقص ونغني

ولا نتعب من السهر

نزرع ونحلم………..نشقى ونسعد

ولا نخشى ما يخبئهلنا القدر

ندون أيامنا نسجلذكرياتنا ولا نخاف ….أن مر علينا العمر

على دروب القمر…………….

لا نعرف لغة الخصام  لا نعرف ما البعاد وما هو الهجر

ونتساءل……أنحن ملائكة !!!!أم نحن من البشر ؟

ولا ندرك ان مرعلينا يوم هنا أم أيام ….أم مر علينا دهر …!!!

على دروب القمر……سنكون يا حبيبتي ….كاللون للزهر

وكالموج للبحر…..وكالعشب للسهول الخضر

هيا معي يا حبيبيكفانا ترددا ,,,,,وخوفا ,,,,,,وحذر

هيا ولنرحل ،،،،،،،،،،،علىدروب القمر

ولا تنسَ حقائبالسفر مملؤة بصوت فيروز  وزهوري

واوراقك للشعر

واكتب ياحبيبيأول قصيدة حب

لنغنيها معا ،،،،،،،ونحننسير

على دروب القمر

اهداء الاديبة العراقية الهام الزبيدي

 

Archibald Thorburn (1860-1935) & أحمد فؤاد نجم


قصيده : ورقة من ملف القضية

-أنا مصراوي– ممكن أعرف مين الأول بيكلمني

– دول مين

– مصر العشه ولا القصر

إف
– مالك … شايل طاجن خالك

– أنا ما اقصدش اهانتك طبعا

– لاما اعرفش

– إيه رأيك في قضية مصر

هى وسوريا وليبيا ولازم ييجي النصر
– ييجي منين وازاى ولمين

– أنا من حقي

– أنا بتكلم بيني وبينك

– إذا كانش يسبب لك ضيق

– مين مسئول ؟

– ع إللي جرى لنا ف غزه وسينا

فض دمغك من دي قضيه شعبنا جاهل
مهما تقول له
مش حيآمن بالشيوعية
– ما الشيوعية فى فيتنام
إيه رأيك فيهم يا همام

لكن إحنا .. ورانا عيال
– طب ما نحارب لجل عيالنا
يطلعوا أسعد من أجيالنا

وحتتعبني معاك ع الفاضي
وأنا بحبحت معاك بكفايه
إبقي اتفلسف عند القاضي
– هى قضيه ؟

أمال فاهم إيه آمال هى الدولة دى لعب عيال
– ممكن أعرف أنا هنا ليه

أمال إيه
يوم خمسه وعشرين الماضي
إيه مشاك عند التحرير
– تحرير إيه يا جناب القاضي

– بكره تصير

– أنا غلباوي كده من صغري

آخر غلبه وقله ذوق يحصل إيه لو تمشي ف حالك
فاكر نفسك مين
ما تفوق
– لو راح افوق
مش من مصلحتك

إيه رأيك فى حكايه الطلبه
– حاجه عظيمه بشرة خير

– وانت لسانك ينفع سير

– كتر خيرك

مين وداك بقي عند الطلبه رايح ضمن المندسين
– رحت أناقشهم واسمع منهم

دول عايزين الدنيا تولع علشان أصلا
مش فاهمين
هى الحرب يا عالم لعبه
دى بتتكلف بالملايين

– امال ح ادفع من جيب مين
إنت حمار وخدوك فى مشمك رحت هناك زى الباقيين
عاملين لجنه
وقال وطنيه
مش ممكن دول وطنيين
وجماعة أنصار الثورة
وفلسطين وهباب الطين
ما نخلينا يا سيدي في حالنا
مالنا ومال الفدائين
هو إحنا اللي نهبنا بلدهم
دول عالم صيع فاقدين
قتلوا الراجل عند الشيراتون
وإحنا إللي طلعنا القاتلين
– وصفي التل دا كلب وخاين

واحد صاحبي مراته مرافقه
وهو مرافق
ييجي عشرين
أمريكا بتزعل وبتحرن
هو إحنا يا عالم ناقصين
مش نستعبر
م إللي جرالنا
ونعيش بقي زى العايشين
دي عيال عملا للشيوعيه
وإحنا عدو الشيوعيين
– ورق دمك بس يا بيه
مين مساعدكو بقالكو سنين

علشان أصلا مش فاهمين
إحنا حيلتنا منين نديهم
ونسددهم بالملايين

– مبدا مين وزكايب مين
هي دى عالم تعرف مبدا
دولا باقول لك
ناس مجانين
اخترعولنا السد العالي
علشان نبقي اشتراكيين
إشتراكيه هناك ف بلدهم
وإحنا ف دارنا
نعيش حرين
عايزين الفلاح الجاهل
يتساوى بالمحترامين
وكمان قال
تحديد ملكيه
أبو ألفين
يدوه خمسين
شغل ملاحده وعالم كفره
ومخالفين أحكام الدين
والعمال رخرين اسم الله
فاهمين روحهم
بني آدمين
ناس عايزين الحرق بولعه
دا كله من الشيوعيين
نشروا لنا الأفكار السوده
أولاد الكلب الملاعين
مين وداك بقي عند الطلبه
انطق قول
اتكلم مين
– هما إيه مطالبهم ؟

– لأمش قصدى
بس أنا باسأل
كانوا طالبين كراريس ومساطر
ولا مطالب ميه الميه
كل الشعب مآمن بيها

مين مجنون بقي
حيمشيها
عايزين يدوا الرتش سلاح
عشان تحصل فيها مجازر
أنا لو أشوف حلوف فلاح
شايل شومه
لازم اهاجر
– لازم بينه وبينك دم

هس اتلم
ثم نحارب ليه
وبايه
بسلاح ما يموتش بعوضه
– ورق دمك بس يا بيه
الحرب ضروره ومفروضه
واهو نفس سلاحنا المظلوم
في فيتنام دابح أمريكا

– بطلوا بقي كدب وبولوتيكا
طب ما الهند بنفس سلاحنا
فى باكستان
بعزقت الغرب

وحتما يعني نخش الحرب
طيب
حاضر
فين المخبر
حتغير رأيك
بالضرب

قصيده : تذكرة مسجون

الاسم: صابر
التهمه : مصري
السن : اجهل اهل عصري
لرغم انسدال الشيب ضفاير
من شوشتى
لما لتحت خضري
المهنه : وارث
عن جدودي
والزمان
صنع الحضاره
والنضاره
والامان
البشره : قمحى
القد : رمحى
الشعر : اخشن م الدريس
لون العيون : اسود غطيس
الانف : نافر كا لحصان
الفم : ثابت فى المكان
واما جيت ازحزحه
عن مطرحه
كان اللى كان
جهه الميلاد: فى أي اوضه مضلمه
تحت السما
على ارض مصر
من أي دار وسط
النخيل
مطرح ما يجري النيل
ما دام ما يكونش قصر
الحكم: من سبع تلاف سنه
وانا راقد سجين
اطحن على ضراسي الحجر
من الضجر
وابات حزين
الاسباب : سالنى سائل
حبستك طالت
وليه
ولانى طيب
وابن نكته
ما فيش مخالفه ركبتها
ضد القانون
لانى خايف
والقانون سيفه ف اديه
تسأل عليّ المخبرين
فى أي حين
تسمع وتفهم قصتي
الف وبيه
الاسم صابر ع البلا
ايوب حمار
شيل الحمول من قسمتى
والانتظار
اغرق فى انهار العرق
طول النهار
والم همى فى المسا
وارقد عليه

عرفت ليه ؟

قصيده : حسبة برما بمناسبة زيارة ابن الهرمة

كشفالرافضين
ببطارية ماركه – نانسين –
يهوديه عربيه
سته مشاغبين
وستميه سته وستين
واتنين صنايعيه
سبعة مداقرين
وسبعميه سبعه وسبعين
غاويين شيوعيه
ألف وستين
وربعميه
منهم عشرين
وتلاته وطنيه
أما الباقيين
فألف ميه وتمانين
طلاب وشضليه
تسعه وتمانين
من إللي راحوا تشرين
تحت المعديه
يبقي موافقين
حسب انضباط القوانين
والحسبه شرعيه
تسعه وتسعين وتسعميه وتسعه وتسعين
من ألف في الميه
أجري التدوين
بمبني بندر قافشين
وبلجنه مدنيه
طرطور الدين
رئيس نيابة هابشين
وشكوكو عدويه
وحسين حابسين ضابط مباحث عابدين
والست سريه
لجنة
عشرين
شبرا ومغاغة
وقلين
  أسوان دقهلية

قصيده : شيد قصورك

شيدقصورك ع المزارع
من كدنا وعمل إيدينا
الخمارات جنب المصانع
والسجن مطرح الجنينة
واطلق كلابك
في الشوارع
واقفل زنازينك
علينا
وقلّ نومنا في المضاجع
أدي احنا
نمنا ما اشتهينا
واتقل علينا بالمواجع
احنا اتوجعنا
واكتفينا
وعرفنا
مين سبب جراحنا
وعرفنا روحنا
والتقينا
عمال وفلاحين
وطلبة
دقت ساعتنا
وابتدينا
نسلك طريق
مالهش راجع
والنصر قريب من عنينا
النصر أقرب
من إدينا





ترجمة وتقديم انعام الشريفي جون ميغاهرن: تلة الجُرف والبحر

 
              جون ميغاهرن

الكاتب الايرلندي الذي كاد يُجمع النقاد على انه الكاتب الأعظم في النصف الثاني من القرن العشرين في إيرلندا، وأحد الكتاب الكبار في هذا العصر. وإن كان قد عُدّ خليفة صامويل بيكيت لكن كتاباته شُبهت بأعمال أنطون تشيخوف وجيمس جويس وأيرنست همنغوي.

أديب أيرلندي لامع، موغلٌ  في الجدل والاستفزاز، يتبع في كتابته البنية القصصية والروائية الكلاسيكية المتعارفة لكنه يضمّن فيها تحديّات لقيم تقليدية اجتماعية وجنسية ودينية شوهاء سائدة في بلده، ويلقي فيها الضوء على أبطال باتت حياتهم في إيرلندا الحداثة ترفل بالكبح والقيود، ويدقّق في موضوعات الحب وتقوّضه، وانهيار التوافق في الحياة الزوجية، وتعسّر بقاء الأمل، والأعباء الناجمة عن ضيق الأفق الأيرلندي والعقيدة المنغلقة. وإذ تدخل في بيانه مفردات وصياغات دينية، ومجازات ورموز مكرّرة، فإنه يعرض رؤية لإيرلندا المعاصرة تغصّ بصور الموت والظلمة والعقم والعجز.  (نبذة مقتطفة من “النقد الأدبي المعاصر عدد 156)

كتبَ في الرواية والقصة القصيرة والمسرح. وكان لكل رواية من رواياته الست أثرا صاخبا وجدليا في المحيط الايرلندي حتى أقصيَ من عمله كمدرّس وعادَته أوساط عديدة. لكن أعماله لاتتحدد بهذا المحيط ، فهو ينطلق من المحلّي ومن تدوين الحدَث المذكرّاتي اليومي الى العالمية والانسانية كما يبيّن في رؤياه للأدب. ولعل هذه المقولتين له التي اقتطفتها من عشرات تجسّد بعض رؤاه.

مقولات له:

“كلّ مانرِثهُ من المطر والسماء والكلام، وكلّ مَن يستخدم الانجليزية في عمله في إيرلندا،  يعي أن شبح اللغة الغيلية المائتi يربض في اللغة التي نستخدمها ونصغي اليها وأن هذا مايعكس هويّتنا الأيرلندية”

“أحسب أن ثمّة فارقٌ كبير في الوعي من حيث أننا في صغرنا نقرأ الكتب طلباً للقصة، وبحثاً عن الإثارة فيها، ولكن يحين وقت ندرك فيه أن القصص جمعاء ليست إلاّ قصة واحدة”

أقدّم نموذجا من أعماله للقارئ العربي في لوحة مبهرة مأخوذة من مجموعته القصصية الأخيرة (2006) التي جمعها بنفسه من مجموعته الصادرة (1992) بعد المراجعة لها والأضافة عليها.

تلة الجُرف والبحر

ينزوي الشارع أزاء نزل باركس للضيافة، حبّات من الرمل تَرِدُ من جهته الى الخملة الرمادية لكرة التنس، الوَثب المتراخي للكرة تحت يدي يشابه تلك الاحاديث المتناهية من جانب الأريكة الخضراء قبالة المشتل الزهري، حيث تلوح الأجراس الحمراء لشجيرات الفوشيا المزدهية بالحياة وبعض من الأوراد مع زهرات القرنفل الى الخلف، وكانت الأرض المحيطة  بجذور كل شيء هناك قد استحالت بقعاً من القواقع يعلوها غطاء الجص المرصّع بالحصى الذي يغطي جدار النزل والذي استباحته الرياح.

كانت السماء في حشوٍ دائب فلابدّ أن يهطل المطر، وتنغلق الجدران عن المساء النضّاح، وعندما ترفع النظر الى النوافذ الغمامية، تدرك أن أصوات أحاديثهم تطرقك لامحالة .

“كان هناك أمتعة ذات جودة في أسواق (بيبي فورد آند أوستن)، فالسيارات التي تسري هنا ليست إلاّ كعلبة صفيح قياسا اليها” قال ذلك السيد مِكفايتي، وكانت السلسلة الذهبية الثقيلة التي تمسك ساعته والتي تمتد عبر صدار بدلته البنيّة، وشعره الفضي اللئلاء المفروق من وسطه، والعصا في يده ذات المقبض الزخرفي تجعله يبدو وكأنه قد فرغ لتوّه من صورة بظلال صفراء لحفل زفاف.

“إنها فقط لم تك بالسرعة التي عليها سيارات اليوم” أضاف ذلك السيد أوكونر الذي يتبع مِكفايتي طوال الاسبوع مثلما يتبع كلب ضال أي زوج من الأحذية  تترائ خلال الليل إياباً للبيت.

“قبل الحرب وقبل زواجي كان لدي احدى الستروين القديمة، وكان بامكانها السير بلا انقطاع لولا أنها تستهلك الكثير من الوقود” قال ذلك السيد رايان وعيناه تراودان كرة التنس وهي تعلو وتهبط في جادّة الشارع.

المحادثات في اجترارٍ دائب، كأن تكون عن مدى ارتفاع بندقية أنفيلد أو الصيف بالثياب الطويلة أو عدد الأميال لكل غالون وقود، هكذا منذ الصباح الى الوهج الأخير للسجائر على أرائك الليل، هي ترداد للمعلومة، معلومة حول أي شيء. فهي حالما تنفضّ عن فاه الليل، فأنها تطرف  بمعلومة ما عن اي شيءٍ حواليها قبل أن تبرح الساحة عاجلاً ورُغماً.

اتخمت السماء فوق خليج سليغو وزحفت الظلمة عبر سلسلة الشوارع والكنائس، ولم يتبق شريط صافي من الزرقة فيما خلا بين الباركس ونوكنارنيا، وعندما سيمتلأ هذا الشريط بدوره  فإنّ المطر والنوافذ المغسولة بالبخار وكومة المعلومات تظلّ مهيمنة على النهار حتى يتوطد الظلام.

وكانت الرَهبة من السماء قد سمّرتهم منذ الصباح على الأرائك بمنأى ميلٍ عن الجرف المنحدر الذي قصدوه للترويح ، الرهبة من المسير الطويل المثقَل تحت المطر فيما بين كِنكورا ومركز المدينة مرورا بملعب الغولف، إلاّ إنه مايلبث هنا ثمّة هواء يطيب لهم هو عبق البحر وفيه بعضٌ من عزاء. بل وحتى ضفة الساحل حينما توافيها في جوٍ معتدل وتقطع ذلك الميل الى المنحدر، ويذهل لبّك عن مسافة الميل الذي تركت فيه الديار في الأعالي، وتكون في حيازة جرف التلة فأنك تجد باستواءٍ منك وعلى امتداد أميال مدفعاً حربيّاً يصوّب الرأس الى الأطلنطي وهو في عربته  الآيلة الى التفسخ التي صُمّمت له ابتداءاً وكأنه مايبرح يحرس ردهتي البوظا، حيث النساء عند حافة البحر أثناء الجَزر، وإحداهنّ تحمل طفلاً تمسكه في ذراعٍ وتشدّ بقوة على تنورتها بين سيقانها بذراعٍ أخرى، ويبدين كما لو يصهلن لكل رشقة مياهٍ على أقدامهن قبل أن تنفتل أيابا حول كعوبهن بلونٍ أحيل بنياً ؛ يستوي كل هذا الأمَد ليغبط الآخرين على الدلاء وكرات اللعب على الشاطئ ويبثّ حبوراً يضاهي ماتبثّه إقامة ملوكية.

هرعت السيارات أميالاً لكل غالون، مايلبث على الأريكة: خمسٌ وعشرون، اثنان وثلاثون، تسعٌ وثلاثون بتوقيت متقن وباستخدام متزايد لدوّاسة القابض اكثر من الكابح. وكان هناك ضيف آخر وهو السيد هيدون الذي كان قد وضع أعمدة الصحيفة حول السباق على طرف الأريكة ذاتها؛ شبكة  للشعر من الخيوط الارجوانية على الوجه، رحّالة للكسب والتجارة. هنا نطق مِكفايتز “لم تحقق المستوى المطلوب” “حلّ وقت القفزة”. أمّا على الأريكة الأخرى فقد انبسطت كنزة يظهر فيها تصميم “لجزيرة فير” فيما بين السيدة أوكونر والسيدة رايان اللتين تحلّق حولهما أطفالٌ بكلّ صنوف الوقفات. ليس إلاّ إنغولسبي، استاذ لغة انجليزية متقاعد، مَن جلس وحيدا بينما كانت كرة التنس تتواثب او تتوقف.

“في أي جزء من العالم تقع لاغوس؟.” نزع هيدون الصحيفة عنه بهياج ليضع حدّا للدوّاسات البالية “لابد انك تعرف الاجابة ياسيد رايان فأنت مدرّس”

“أظنها في أفريقيا” بدرت منه إجابة غير واثقة، وكان دفق الحمرة المباغت والشحوب قد استجلبا انغولسبي الى الحوار.

“أن يكون أحدهم مدرّساً ليس سبباً أن يعرف أين تقع لاغوس.”

“إن لم يعرف المدرسّون هذه الأشياء فمَن ياتراه يعرف؟” وبغضب أضاف هيدون” ألا ينبغي لهم أن يعلّموا تلك الأشياء للأطفال؟”

“إن كان على المدرّس أن يقدّم درساً في الجغرافيا فأنه يبحث في المناهج مسبقاً. فالطبيب لايجول مع علل مرضاه عبر رأسه بل لديه ملفّات لذلك.” فسّر إنغولسبي ذلك بقناعة مطبقة.

“إلاّ أنّ ذلك بحق الجحيم لايقرّبنا من النتيجةً في أي ٍ تقع لاغوس؟”

قال إنغولسبي “إنّها في نيجيريا”

وبذل رايان مسعى لتلطيف جو الشحناء ” إنها في نيجيريا، في أفريقيا.”

قال هيدون بحدّة “هذا ماأردت معرفته، شكرا لك أيها السيد رايان.” ودفن رأسه ثانية في الصحيفة.

أضاف أوكونر “إنك لتذهل عندما تفكّر في العدد الفعلي للأماكن في هذا العالم،”

وقال مِكفايتز “يمكن للمرء أن يقضي عمره يتعلّم أسماء الأماكن لكن يظلّ منها عددٌ كعدد حبّات رمل الشاطيء،”

كانت الكرة سائبة في يدي وكان المدّ على أقصاه وكان هنالك زورق لنقل الفحم في القناة يشرع بالخروج من خليج سليغو، ولم يعد ثمّة بقع زرقاء في واجهة نوكناريا.

جمجمة صغيرة في موقع الصلب السنوي للفقراءii بين باركس والمدفع الحربي بمدّ ميلٍ أسفل التلة وأعلاها. وكان البحر الهادي يتدانى الى خليجٍ صغيرٍ جارٍ نحو باليسودير ومارّاً بحوض مياه الأخطبوطات، وإذ هو مهجور هكذا فما من تحاسد فيه، إلاّ اليوم الأوحد الذي تنكّسُ فيه الرايات وتُقام السباقات عند انخفاض المد، ولكن حتى عند سكون الموت هذا فإنّ عناء سماع الأصوات البشرية عبر ملعب الغولف، و بينهم جين سمبسون هناك، لامحيص عنه.

كان أوّل سقوطٍ للمطر على صحيفة هيدون ذي جلبة، ثم تلاه من داخل البيت تصاعدٌ شامل وزياحٌ مترنّم يُوقَعُ بين قطراته الهامدة المتناثرة.

“تخيّل الاسم الذي أطلقوه على هذه” توّقف إنغولسي ليرفع زهرة بين لون الدم والبرتقال ناحية رايان وهما يغذان  السير نحو مشتل الأزهار.

اعتذر رايان ” لست متضلّعاً في عالم الأزهار،”.

وأعلن انغولسبي الاسم “مُتَسلّق السيدة سام مِغريدي، متسلّق السيدة سام مِغريدي”

ردّ رايان بلا تمعّن ” الأسماء فكاهية،”.

“الأسماء تكون فكاهية بحسب ماتصوغها،” ردّد ذلك إنغولسبي بتهكّم. “سلام أو أنّا هاركنس أو حتى مولين روج ولكن ليس متسلّق السيدة سام مِغريدي! فهي قنبلة ذرية،” ومن ثم أخفض صوته . “لاتشعرّن أن عليك أن تعرف شيئاً لأنك تدرّس وحسب. لاتدع أحدهم يتنمّر عليك بفرضياته المتغطرسة فيما يجب أن تكونه. فلتقل أنك لاتعلم، وأن هذا يمكن أن تعثروا عليه في الكتب، إن كان الأمر يعنيهم. أن تتظاهر بالمعرفة هو مايبعث على الحرج.”

وكانت هذه المشورة قد حثّت من الأعماق الى عيني رايان شيءٌ يسير من الكره بينما كان يخطو خطوته الأخيرة نحو الباب.

وصارت الآنسة أفانز المنضم الوحيد لطعام الغداء مع الجماعة،  وعندما أخليت النفايات مع الملاءات التي استخدمت كغطاء للمائدة، والتمع بريقٌ خامد لطلاء عتيق يكسو الطاولة البيضاوية الشكل حول أناء زهور أعيد اليها ليستقرّ في الوسط ، قامت السيدة باركس باشعال نارٍ صغيرة من الفحم في الموقد المشبكي وكأنها تعتذر عمّا يخلّفه المطر من عتامة. كلّ مشارب المساء قد تقوّضت، وارتفعت تنهيدة متواترة فيما بين الحوارات “إن المطر كريه حيثما كان، لكنه عند البحر، عند البحر، فهو القضاء المبرم”. وكانت الحاجة الى الانفلات الى عالم ما آخر تتنامى بضراوة، لكن ليس من مالٍ لتحقيقها.

“فلأسرق، فلأسرق، فلأسرق،” بات المخرج الوحيد.

ومن ثمّ المعطف المطري، وانعطافة الى جنوب الغرب، والى الخارج – دون التفات. وكان الضباب يتوطّن نصف طريق المنحدرات الى نوكناريا، والمطر والضباب يغشيان البحر. وعند اجتياز هاغاردز، والمجاز عبر فندق الأوز باللافتة التي تسرح فيها أوزة كأنها نابعة من قشارة البياض،  صار القَطْر المنتظم النازل من المرازيب ذي دوي أكبر من وقع انحسار البحر وزعقات النورس، وصار وهج المصباح الكهربائي يسفع الضباب على نافذة “بيبلز”، دكانة الحلواني وبائع القرطاسية، ومن ثمّ الرجّة التي يحدثها جرس الانذار في رنينه عند فتح الباب.

وكان ثمّة فتاة مُغرقة باللون الأزرق تساعد رجلاً على انتقاء بطاقة بريدية بينما كانا يقهقهان.

استدارت الفتاة “هل من خدمة؟”

“أرغب في جولة للنظر” كان هذا هو المنفذ الوحيد الممكن، ومن حُسن الصدف أنها كانت منشغلة مع الرجل.

صفوف من مجلاّت الرسوم الهزلية على منصّة الدكانة، ساعات من الانفصال الحسّي عن الحياة في باركس، فهاهي وِزارد وهوتسبر وروفر وشامبيونiii، عوالم كاملة.

فلأضع الهوتسبير فوق الوِزارد، وكلاهما فوق الكومة الصفراء لمجموعة الروفر، واسحبُ النفس بينما كان الرجل يدفع ثمن الكرتات البريدية. مُطلق السراح أرفع الثلاثة وأدسّها تحت المعطف المطري مُطبقاً عليها بمرفقي وعلى جانبي بقوة. وأمشي.

قال الرجل ” هل من حظ أن أراكِ بالخفّ الفضي الليلة؟”

ردّت عليه ” بل هناك أشياء اكثر غرابة قد حدثت في العالم،” وضحكا ثانية.

كان من الاستحالة أن أمشي على نحوٍ طليقٍ وعفوي الى الباب، بل كنت أحثّ الخطوة خلف الخطوة، فأن تفكّر أنك تمشي وتنتظر طوال الوقت صيحة تهجم من خلفك “المعذرة”، هكذا قد تستهلّ، ومن ثمّ العار والشرطة. أن يُقبض عليك هو السبب الأوحد للكف عن السرقة، أما في الآخرة فهذا ليس إلا ذنب مُغتَفَر، وليس له إلاّ  المطّهر، كما أنه ليس إلاّ  القديسين وحدهم مَن يجتاز الصراط الى الجنة.

خطوة فخطوة، من ثمّ خطوة جسِرة ومامن هجمة، ورنين ادخال الصِرافة وعقبه جرس الانذار فوق الباب، ونفس الصعداء عند شمّ الرطوبة خارج الأبواب المشرعة على البحر الغمامي الى ماخلف ملعب الغولف، والمطر يهطل كما هو عادته كل الأيام. وعبر الهاغاردز وفوق الرمل المخضّل بالماء المنتثر في الشارع ، كانت قطرات المطر تتألق في التموجات الحمراء لزهور عند الجدار.

” من أين أتيت بالمال لهذه القاذورات؟” جاءني السؤال حال دخولي الحجرة.

“عثرت على ستة قروش في المقدمة بالأمس.”

” لماذا تظل عالقاً في تلك القمامة، لمَ لاتقرأ شيئاً مُجدياً مثل شكسبير، فهذا سيأتي بالنفع عليك لاحقاً؟”

تلك النغمة القديمة: ذو نفع لك لاحقا.

“لست أظن أن الهزليات بضارّة كثيرا، والذوق الرفيع لايُصقل في يوم. فنحن نرتقي الى درجات أعظم بالعبور من فوق الأحجار تحت اقدامنا،” أقحم إنغولسبي نفسه.

“أحسب أن في ذلك بعض العزاء.” كان رايان ينزع الى الفرار إذ يعي ماستوجده محادثات إنغولسبي بمواضيعها المضجرة من التنافر، فهي تنزل به كوقع التقريع والقدح ولكن هذه المرّة لن يسعه النفاذ بسهولة، فإن إنغولسبي كان ايضا قيد الحاجة أن يعتاش من جَلَبة صوته في هذه الأمسية البليلة.

” مارأيك برواجيّة شكسبير في عالم اليوم؟”

“لايسهل التحديد” أرجأ ثانية وعيناه تجولان بقلق حوالي الغرفة. زوجته على الأريكة مع السيدة أوكونر  تقوم بقياس كنزة صوفية على ابنتهما؛ ومن فورها ستعود للحياكة بسكون وأناة بينما يحلّ الليل شبيهاً بكل الليالي في حياتها المُفعمة بالصبر. وفيمَ هو كذلك بادر مكفايتز الى أوكونر “إن الحوانيت في الريف قد تضرّرت بشدة بسبب الهجرة لكننا نجحنا في البقاء بل تفرّعنا الى خطوط جديدة، فمثلا صار لدينا الآن محطة إسو لضخ البترول، إننا نتغيّر مع الزمن.”

وأقرّه على ذلك أوكونر “أنه قانون من جوهر الطبيعة أن كلٍ بني البشر عليهم أن يقوّموا رؤسهم باحكام بما يعلّمهم التغيّر مع سيرورة الزمن والبقاء.”

انقسمَ الناس في الحجرة الى مجموعات، حشدٌ هنا وحشدٌ هناك، وعندما رفعت الآنسة أفانز ذراعها من الكرسي للتثاؤب، مال هَيدون الى الأمام “لعلّه كان هناك بعض اللهو من ضروب التسلية القديمة الليلة الفائتة.”

ضحكت مبتهجة “استمحيك العذر ياسيد هيدون.”

“هكذا النساء جمعاً، يحفظن الحشمة حتى يصل الأمر الى صُلب الموضوع، وعندها وبقدرة قهارة تتحوّل الأشياء. ومَن عساه يمانع في دحرجةٍ من مثلِ أيام الزمان بين تلال الضفة بعد الرقص؟”  وهنا رفع نبرة صوته ليغيظ  إنغولسبي الذي كان يراود رايان النافر منه من أجل محاورة حول الشاعر ووردزوورث.

ضحكت برّقة وكان في ضحكتها لمحةٌ من التحدي للعدائية البادية لدى السيدات المتزوجات وابنائهن، واكتفت بشبح ابتسامة وهي تنقل بصرها الى النوافذ المسلّمة لرشح المطر عليها.

” لاتغرينا الليلة  تلال الضفة بشيء، ياسيد هيدون.”

أجابها ضاحكا لها بدماثة “طالما أن هناك إرادة معتقة، فثمّة وسيلة من الزمن الغابر.” وبصوتٍ هدّجه مابدا وكأنه ندماً تسائل “كان ليلتك الفائتة ليلة الخُفّ الفضي، اليس كذلك، أخبرني الطير.”

“الطير مُصيب، فالنقاط الزرقاء على زهر النرد كانت تلعب هناك.”

“المطر، المطر عند البحر كالزُعاف.” واستدار كالذاهل من اعياءٍ أو من ذكرى، وتوّجه الى رفّ الموقد والتقط صدَفة بيضاء وثبتها الى اذنه ليصغي الى هديرها.

“إنه يحيل كل شيء الى تَعْس ” قال مِكفايتز وقد سأم من سطوته المطبقة على أوكونر، إلا أن كل ماأتى به هيدون هو إيماءة متثاقلة وهي يضع الصدَفة مكانها ويعود للفتاة ثانية.

كان حمّام المطر على النوافذ والضوء السالك عبر ضبابها يركنان متبلدين عند البحر الأزرق فوق أغلفة الجدران، وكانت شجرات الأيلكس الحمراء والصفراء تلوح عاليةً كصارياتٍ في أوج ريعانها لمراكب تعبّ البحر. وعندما مسحَ احد الأطفال على الزجاج بانَت من الفسحة صفوف الملفوف في الحديقة فيما بين شجر التفاح، وكان التفاح الأخضر الذي يطهى على الشجر زاهيا و برّاقا بين الأوراق تحت المطر.

“إن مفردة التعلّم والمعرفة تشتقّ من الجذر اللاتيني الذي يعني (القيادة قُدُما)، لكن يبدو أن الناس في تأويلهم الحديث للمفردة قد نسوا ذلك” جاهد إنغولسبي في مقولته تلك.

وإذ خلّف الشعراء ورائه فقد أزيح بعض الثقل من صدر رايان ، إلا أن عيناه ماتلبثان تعتذران للحجرة حواليه، إذ كان لـيجعل مقامه اكثر نصاعة في عصره هو.

إنّ تقليب الصفحات دون قراءة هو لذاذة  تؤخر بها  لذّة مرجوّة. الأبطال يملأون هذه الصفحات اسبوعا بعد اسبوع، روكفست روغان، آلف توبر، وِلسون والرجل

د

شعارات الثورة مصورة

صور هامة جداااا من مقالاتي

صور هامة جداااا من مقالاتي

صور من مقالاتي في المصري اليوم و اهتمام من موقع مصرس بنشرها ضمن الموضوعات المقتبسة من المصري اليوم

ده ترتيب موقعي حرية و درجة 89 من 100 ضمن أهم المواقع علي GRADER

عذرا الصور مهداة لشخص واحد فقط8 & خاطرة

عذرا الصور مهداة لشخص واحد فقط8 & خاطرة

صدقيني يا حبيبتي إن ابتعدت عني لن أموت

ولكن ستجف روحي وهذا أقسي أنواع الموت

***********************

حينما تغتسلين من ضوء القمر و تسبحين مثل اليمام

 داخل الشفق الذهبي أعلم أن جمالك قاتلي و أن

 الطفلة التي تمشط جدائل شعرها هي منتهي القلب

فان جوخ

فن تشكيلي26






















Previous Older Entries Next Newer Entries